مثلت واقعة الطف سنة 61 هجرية فصلاً مهماً من فصول صناعة الثورة الحقيقية ضد الظلم والجور وبالتالي يجدر بنا أن نطلق عليها ثورة لما حملته من رسائل عديدة جسدت حرص الامام الحسين (عليه السلام)وآل بيت الرسول(ص) على أن يبقى الإسلام حيا لا تشوبه شائبة أو يتحكم به من لا يفقه من الإسلام شيئا.وعندما نقول ثورة، لأننا وجدنا من شارك فيها جمع كبير بينهم الرجال والنساء والأطفال بل بينهم من هم على دين آخر وهذا ما يؤكد ثورية نهضة الحسين (عليه السلام) وبالتالي فإن مقومات الثورة هي الأبرز والأكثر حضوراً من أي مسميات أخرى، حاول الكثير ممن كتبوا تاريخ الطف أن يجردوها من بعدها الروحي وحاولوا حصرها في ميدان عسكري لم تكن فيه موازين القوى متكافئة من الناحية العسكرية وهي أيضا لم تكن متكافئة في ميزان إلقاء الحجج وتأثيراتها فيما بعد، عسكريا كانت الكفة واضحة لاولئك الذين جيشتهم الدولة الأموية لملاقاة بضعة وسبعين رجلاً معهم أهل بيتهم، لكن في الجانب الفكري كانت الكفة راجحة لهؤلاء القوم الذين رفعوا راية الإصلاح من أجل الأمة، ووجدنا أن ميدان واقعة الطف تعدى حدود كربلاء الأرض التي شهدت استشهاد سبط الرسول الكريم وأبنائه وأصحابه عليهم السلام، اذ تعدى الرقعة الجغرافية ليمتد إلى بقاع الأرض كافة وهذا هو الهدف المهم من نهضة الامام الحسين(ع) وثورته التي ظلت مستمرة على مدى قرون طويلة.
بالنتيجة يمكننا القول إن استشهاد الامام الحسين عليه السلام كان بداية جديدة للثورة التي جعلت الناس في الشام وغيرها من الأمصار يتساءلون من هؤلاء القوم؟، كانت الإجابات صدمة للناس الذين لم يكن الكثير منهم يتصور أن هؤلاء آل بيت نبي الأمة ،وتلك الرؤوس التي تحملها رماح الجيش الأموي إنما تحمل معها هزيمتها الأبدية والتي تجلت بوضوح في قصر يزيد الذي أراد الاحتفال بنصر وهمي، فإذا به يجد سيدة هاشمية هي السيدة زينب(عليها السلام) تأخذ دورها الكبير والمهم في الثورة لتوضح للجميع من هي ولمن تنتمي وبالتالي كانت الصفحة الثانية من الثورة الحسينية تجسيدا حيا للأهداف التي كان يريد الامام الشهيد عليه السلام الوصول إليها والتي تتمثل بصناعة الوعي لدى الناس وتوجيه صرخة قوية للظلم والطغاة وهز عروشهم التي اتكأت على دماء الشهداء. لهذا وجدنا أن الدم انتصر على السيف سواء في أرض الطف أو فيما بعد وهذا سر خلود الثورة الحسينية كل هذه القرون من الزمن وستظل خالدة مدى الدهر لأنها لم تكن لمصالح آنية وشخصية ومرحلية بقدر ما كانت رسالة واضحة المعالم لكل الإنسانية بمختلف مشاربهم الفكرية والدينية، لأن الظلم والطغيان متشابهان في كل مكان وزمان وبالتالي فإن الامام الحسين عليه السلام وضع للإنسانية خارطة طريق واضحة المعالم لكل من يريد الإصلاح وتأسيس العدالة في المجتمع.ونحن نعيش ذكرى هذه الثورة الخالدة علينا أن نستلهم دروسها ونعي أهدافها ونسعى للاقتداء بهذا الرجل الذي تعلمنا منه معنى الثورة وكيف نثور وكيف نقول للظالم أنت ظالم، لا نداهن ولا نحابي على حساب القيم الإسلامية،سلاما على الحسين يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً.