بغداد: ابتهال بليبل
كل عام، يستحضر العراقيون واقعة استشهاد الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) في العاشر من المحرم 61 هـ في كربلاء، بمجموعة من طقوس وشعائر وثقت صلتهم بقيم الشخصية الحسينية وما تجسده من معاني البطولة والإيمان، حتى تحولت هذه الواقعة إلى ملحمة اعتادت الذاكرة الشعبية على تناول شعائرها المعنوية والمادية.. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه مع تفشي وباء كوفيد - 19 الذي أثر بشكل سلبي على ممارسة الكثير من الطقوس والشعائر الدينية حول العالم، كيف يمكن للأديب العراقي أن يمارس طقوس هذا الشهر والدور الذي يقع على عاتقه؟
الجوهر الصادق للفعاليات
وكانت المرجعيات الدينية في البلاد قد دعت الى الالتزام بالمعايير الصحية خلال عاشوراء، لأنَّ طقوس هذا الشهر تشكل مجموعة من الفعاليات الاجتماعية التي تمارس ابتداء من عصر الأيام العشرة الأولى لغاية اليوم العاشر وهو يوم استشهاد الإمام الحسين (ع)، ويقول الشاعر جبار الكواز إن "الادباء ليسوا بمعزل عن هذا الحراك الطقسي الجمعي فبعضهم يسهم في الندوات والأمسيات الأدبية والثقافية التي تقام يومياً مشاركة أو استماعا بوصفها فرصة رائعة للبعض الآخر الذي يعيش أجواء هذه الطقوس في جانبها الروحي المطلق لاستجلاب واستثمار أجواء المعركة الخالدة (معركة الطف)
في نصوصه التي قد ينشرها أو يسهم فيها.
ويعد الكواز "الأيام العشرة الاولى من محرم إعادة لتأمل الجوهر الحقيقي والصادق للفعاليات التي كانت وما زالت تقام وتمارس بصدق شعرا ومسرحا وتشكيلا وأناشيد و-هوسات- ومواويل ومنشدين على قرع الطبول والدفوف والاصناج في أجواء من الحزن المطلق والأسى العظيم للتعبير عن حب الناس لتضحيات آل البيت الابرار (ع).
وقد كتب الكواز الكثير من النصوص الشعرية، استلهم فيها هذه التضحية عبر سنوات معايشتها واقعيا. ويضيف "في ديواني الشعري الاول كانت ثمة قصيدة تستلهم هذه الاجواء وارتباطها برؤية العراق يومئذ وبسبب من مشاركة الناس جميعهم في هذا الحراك الجماهيري الوطني والثوري فإنّ الفسحة الزمنية تكون مهيأة لإعادة قراءة الكتب التي تناولت هذا الحدث الخالد والعظيم الذي أسهم في تشكيل وعينا الروحي بفهم المعاني الكبرى للتضحية في سبيل المبدأ".
أجواء محرم الحرام كانت وما زالت – بنظر الشاعر - تجديد لرؤية الشهادة في سبيل المبدأ واعادة بلورة مفهوم البطل القرباني الذي تلمست تفاصيل تجربته الخالدة في الانموذج الاستشهادي دفاعا عن الحق والمبادئ.
ويشير الكواز إلى أن هذه الفعاليات التي ما زالت تقام في كل انحاء البلاد تشكل عودا أبديا لجوهر ما حدث في يوم الطف الخالد.
ويقول إن "محرم في ظل جائحة كورونا ما زال يشكل المصدر الأساس لي في كل ما قلته وسأقوله في إدراك هذا البعد الرمزي الروحي الاستشهادي والقرباني الذي نحتاجه دائما في ظل واقع إشكالي ينتظر مخلصا لبناء الوطن وإنسانه الأصيل".
الاختلاط بيئة جاذبة
أما الشاعر شلال عنوز فيقول: "حينما طرق أبوابنا هذا الزائر اللعين (فيروس كورونا) كان لزاما علينا أن نحتاط من بطشه، وأن نحذر تمكنه منا، فالوباء ليس شيئاً محسوساً واضح
المعالم.
يضيف: "ولحلول شهر محرم وقدسيته ومكانته فلا بد لنا من ممارسة شعائره وطقوسه كلاً في بيته ومع أسرته فقط، لأن الاختلاط هو البيئة الجاذبة لنمو هذا
الوباء". ولأن الأديب جزءٌ من هذا المجتمع – وفق عنوز- فلا بد له أن يكون أكثر التزاما ويمارس طقوسه في الكتابة والقراءة وأن ينشط في نشر ما يكتب أو ما ينشد وما يريد عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتسجيلات البث الفيديو لغاية
الانتهاء من هذه الأزمة.
التوعية والتثقيف
في المقابل يرى القاص باسم حبوب العذاري مهمة إيصال رسالة الوعي والتنوير والحقيقة الخالصة في إطار جمالي معاصر، تقع على الأديب والمثقف خلال هذا الشهر، وخاصة في حث الناس على الالتزام بإجراء مراسم العزاء وفق تعليمات خلية الازمة الصحية.
ويقول: إن "الأديب والمثقف يختلف عن غيره في عملية التوعية والتثقيف لمكافحة الوباء، لأنه سيطرح ذلك بما يتناسب والأسلوب الحداثي بطرق التعبير، كالاختصار والعمق والمعالجة والرؤية التي يمزج فيها بين الوعي وحضارة اليوم ورسالة
الرب".
ويحاول العذاري بلورة أفكاره في الكتابة بما ينسجم ومبادئ ثورة الحسين وقيمها، ويضيف بقوله: "أحاول الاقتراب في الكتابة من الرؤية الانسانية النقية، واستمع للقليل من مرويات -المراثي والنواعي- والدروس التي تلقي الضوء عما
حدث".
ويحرص القاص على حضور بعض الطقوس الشعائرية لهذا الشهر، كالباقين من حيث الوعي والإدراك لما أحمله في ذاكرتي الأدبية.. ويشير إلى أن هذا يسهم في تبرعم ما في جعبتي وأفكاري ومعتقدي لطرحها بعد ذلك على متون الصفحات فتنثر رحيقها شعرا وسردا وخواطر تخرج القليل من الحزن النبيل الذي يكتنز فؤادي لكيلا تنزف أوداجي حين لا تجد متنفسا لها، كما تتشقق الصخور تحت لهيب ألسنة
البراكين.