د. سعد العبيدي
لقد كُتبَ عن شخصية الإمام الحسين عليه السلام ما لم يكتب عن غيره من البشر منذ الخليقة وحتى وقتنا الراهن، ونوقشت قضية الحسين من أشخاص ومراكز وجماعات، اذ لم تناقش قضية مثلها عبر التاريخ، وجرى الكلام عن المبادئ التي جاء من أجلها الحسين(ع) ومشى على هداها ما لم يجر عن غيرها من كلام منذ أن بدأ الوعي عند الانسان، هذه وغيرها صار الاتفاق على حقيقتها شبه اجماع من قبل السائرين على درب الحسين أو الواقفين يتفرجون ويتابعون، لكنها وبالوقت نفسه قضية أثارت من المغالاة والتمادي في الوصف والتشبيه والإضافة حداً لم يضف مثله الى قضية أخرى عبر التاريخ الحديث على وجه الخصوص، فتجاوز القدرات البشرية وصفاً للأداء القتالي على سبيل المثال، والتفنن في اللحن بقراءة الواقعة والدخول في برك من الطين لأغراض التطيين، والتطبير، ومن ثم إدخال النساء والأطفال طرفاً في التطبير واستخدام السلاسل في اللطم وغيرها من معالم سلوك مغالاة لا يمكن أن تحسب مفيدة لقضية الحسين التي أرادها مناراً لأمة، ويفترض السير عليها لإحقاق الحق وإقامة العدل بين المسلمين.
ان المغالاة وعند النظر الى واقعها نظرة تحليلية يمكن الاستنتاج أنها سلوك انفعالي يترك تكرار حصوله آثاراً سلبيةً على بعض غير قليل من المتلقين، خصوصا المثقفين وذوي التحصيل العلمي والأكاديميين وغيرهم من النخب الاجتماعية التي يفترض أن تدير المجتمع وتسيره، ويترك آثاراً سلبيةً كذلك في عقول البعض من المسلمين وغير المسلمين وأبناء الشعوب الأخرى الذين يراقبون هذا النوع من السلوك، علماً أن ترسب مثل هكذا أفكار سلبية في العقول سيكون رأياً عاما في غير صالح القضية التي أرادها الحسين.
إن الغريب في الأمر، كان يفترض أن يتجه الجمهور الحسيني الى التفاعل مع قضية الحسين بطرق وأساليب تلائم العصر والتقنيات التي يمتلكها الانسان، ويتجه بدلاً من المغالاة الى التحاور والنقاش ومخاطبة الغير من باقي المسلمين وغير المسلمين منطقياً بنية جلبهم الى دائرة الحق الحسينية وليس ابعادهم عنها بتوسيع خطى المغالاة، خاصة إن الزمن قد تغير وإدراك الانسان لما يجري من حوله كذلك تغير، ولم يعد نافعاً فرض بعض أنواع السلوك التي يلجأ اليها الغلاة بقوة الرضوخ والتقليد غير المسيطر عليه، لأن فرضها أو التغاضي عن فرضها بات خطراً واضحاً على الدين الإسلامي بشكل عام وعلى قضية الحسين عليه السلام بشكل خاص، على هذا يمكن القول لقد جاء الوقت الذي يفترض أن يخرج فيه القادة الكبار والمراجع الكبار والعلماء الأجلاء من سكوتهم ويصححوا بعض معالم التطرف والمغالاة التي تغذى من جهات وأطراف لا يمكن الاطمئنان الى سلامة نواياها، والقول أيضاً ان الحسين(ع) شخصية وقضية تستحق الوقوف عندها وقول كلمة حق بشأنها لكي تستمر مناراً للبشرية حتى آخر الزمان.