وحده وباء كورونا، ساوى مخاوف الناس على اختلاف طبقاتهم في عموم الأرض، دونما استثناء، حَذرَ المرض، والموت، لأنه أعاد الى الأذهان بأن الإنسان كائن ضعيف، يمكن أن يزول ويمحى سريعاً، ولن يشفع له من شيء فيبقيه، مع هذا ثمة « طين حقير» نسي ساعةً هذه المعادلة، «فصال تيها و عربد»، و «كسا الخزّ جسمه فتباهى»، و «حوى المال كيسه فتمرّد».. كما يقول ايليا ابو ماضي، شاعراً ومعلماً، هتفنا له أروع الوصايا.
كأن معلمنا الفذّ يدري أن إعلامية من أثرياء صحرائنا العربية ستخرج على الناس في أشدّ محنة الوباء، متباهية بارتداء كمامة من قماش مرصع باللؤلؤ الثمين، في مشهد بؤس مرير.
بعض الزاحفين الى الشهرة يسعى لفعل أي شيء استعراضي يضيف اسمه الى واجهة الأخبار، حتى ولو وضع ضمن أخبار الإثارة السيئة، وتعرض للنقد الشديد، يريد الشهرة، وإن ارتقى واشتهر فلا يعد العلو له علواً.
قضية استعراض أهل المال لأموالهم، في أفقها الاجتماعي، تكشف عن علّة من عللّ الصراع الأبدي بين فقر الوعي والغنى بالمال، وهي ليست رهن الطارئين على المال أو محدثي النعمة، لكنها ظاهرة يجعل منها محدثو النعمة تحديداً مهلكاً للمحيط، الذي يتحركون فيه، كما يحّذّر المؤرخ ديورانت في دروسه التاريخية عن الإنسان ككائن تنافسي خطير.
ومثل هؤلاء لم يكونوا ممن وعى درس الحياة كزوال لا يبقي ولا يذر، فالتاريخ لا يرحم، وها هي فكتوريا - ملكة (بريطانيا) الأرض التي لا تغيب عنها الشمس- بقيت محط سخرية تاريخية للنبلاء والعامة، لأنها أمرت ذات يوم بنثر شوارع مدينة فقيرة بعطور أهدرت فيها ثروة كبيرة وقتها طلباً للاحتفاء بمقدمها زائرة لتلك المدينة.
وقائع نقرأ عنها، وأخرى نراها رأي العين، بقي خلالها أصحاب ثراء كثر مثار لعن الناس، وكم ذا أرادوا الامتياز علواً، ولكن في ما العلو ان كان كل شيء ذاهب فيهم الى الهاوية؟!.
كمامة اللؤلؤ كيف تبرّر؟.. فهي لا تبرّر بالتيه الذي يفرضه تجبّر الباحث عن الشموخ، ولا تُحقق علواً لمتعجرف متفاخر، ولا تنجز عظمة لمتغطرس، ولا زهواً لمتكبّر، ولا عزّاً لمختال عات، ولا فخراً لمتباه متبجح. لمعانها سيكشف عن خواء العالم
ليس إلا.
ولربما سيجد البعض عذراً لشطحات فنان أو إعلامي، لم تكن هفوته إلا لغاية في نفسه، لكن عليه أن يثبت حسن النيّة في ما فعل، أو أن يبين رسالته في ما اتخذ من تصرف، يبدو استعراضاً وتفاخراً على الآخرين، فليس له من فضل على الناس كائناً من يكون، من لم يقرّ مسبقاً بأفضلية الناس عليه من دون امتياز عنهم، كما كان يوصي أحد أئمتنا وهو يُسأل عن التواضع، فقال: أن يخرج من داره ولا يلقى أحداً من البشر إلا وظنَّ أنه له عليه الفضل.
كمامة اللؤلؤ كيف تبرّر؟..ممثل هندي يرتدي ساعتين مرصعتين بالجواهر بيد واحدة، قال أن الثانية أهداها ابنه المغترب للدراسة في بلد بعيد ليعرف فارق التوقيت بينهما وهو يتصل به، سنعذره، لكن كمامة لؤلؤ كيف تبرّر؟!.