التحرك الأمني لمواجهة الجريمة المنظّمة والقضاء على الاغتيالات ليس شعارا للتزجية السياسية، ولا حتى خطابا للتعبير عن وجود ازمة في ادارة الملفين الأمني والسياسي، بقدر ما أنّ هذا التوجّه بات أمرا واقعا، وحاجة ضرورية لمواجهة تحديات كبيرة، تخصّ الدولة والمجتمع، مثلما تخصّ مواجهة جماعات العنف، الذي يهدد الأمن المجتمعي
والسلم الأهلي.
ما احسبه مدعاة للتواصل والتفاعل في هذا السياق، يتطلب عملا مؤسساتيا كبيرا، وجهدا يستند الى خطط وبرامج، والى آليات عمل، والى إرادة أمنية وسياسية، فضلا عن تأمين الفعاليات اللوجستية والاستخباراتية، والتي من شأنها أن تجعل ذلك التحرّك الأمني ناجحا وفاعلا.
كما أن العمل الاطاري لإنجاح الفعاليات الأمنية يتطلب وعيا بمسؤوليات التخطيط والعمل والمتابعة من جانب، مثلما يتطلب دعما سياسيا واضحا على المستوى الحكومي و المستوى النيابي و على المستوى القضائي، لأنّ هذا الدعم هو الذي سيجعل الممارسة الأمنية عميقة الأثر في الواقع، وفي الحدّ من الجريمة المنظمة، وباتجاه الكشف عن الاغتيالات التي تنال عديدا من الاشخاص، بقطع النظر عن الدوافع التي تقف وراءها، وأعتقد أنّ اعتماد الاساليب الحديثة في الرصد والمراقبة وفي تأمين المعلومات، فضلا عن عمليات ضبط السلاح والسيطرة على بؤر التوتر في بعض المناطق العشائرية سيكون منطلقا واقعيا لانجاح هذا الممارسة، ولايجاد بيئة مجتمعية أمنية بعيدة عن مخاطر التهديد والعنف.
الجريمة وتوصيفها
قد يبدو صعبا توصيف جرائم الاغتيالات، إنْ كانت تقف وراءها أهداف سياسية أو جنائية، وبالطريقة التي تجعل تعريفها قانونا يستدعي جهدا قضائيا وتدخلا أمنيا، وجهدا يتقصّى الجريمة حال وقوعها، ومتابعة حيثياتها، و كذلك التعرّف على ماتحمله من أبعاد وأهداف، وهو ما اصبح حديثا مفتوحا في كثير من المحافل، على المستوى النيابي والمستوى الأمني، ولعل الدعوة لتشكيل قوة أمنية خاصة لمكافحة الاغتيالات، تعدّ من اكثر الخيارات والقرارات فاعلية، للتقليل من نسب الجريمة المنظمة، واتخاذ الاجراءات اللازمة الضرورية والسريعة بصدد الكشف عنها، وهذا الأمر يتطلب وجود بيئة أمنية وسياسية تكفل عملية الاسناد، والدعم الذي يخصّ اجراءات الجهات الامنية، لاسيما في مجال التنسيق مع الانتربول في حال وجود خيوط لجرائم الاغتيال مع جهات خارجية، وعابرة للحدود، أو تكون دوافعها لها علاقة بأجندات تتطلب جهدا دوليا واقليميا.
التعاطي مع موضوع جرائم الاغتيال، ليست بعيدة ايضا عن جرائم الارهاب، لأن مثل هذه الجرائم تهدف الى تهديد أمن الدولة، وامن الناس وارواحهم، وأن سرعة التصدّي لها والكشف عنها سيُسهم في تحقيق الأمان الاجتماعي، مثلما سيجعل المواطنين يثقون بمؤسساتهم الأمنية ويتعاونون معها في الحصول على المعلومات، التي تساعد تلك المؤسسات للتحقيق الايجابي وللوصول الى الجناة بسرعة، وهو ما يعني السيطرة على تلك الجرائم ومنع تحوّلها الى ظاهرة تهدد السلم المجتمعي، لأن النجاح الأمني سيلعب دورا كبيرا في دعم البيئة السياسية، وعملية المشاركة الديمقراطية والحق في التظاهر والتعبير عن الرأي، وهي قضايا تشكّل واحدة من اكثر تحديات العملية السياسية العراقية التي تحتاج الى الثقة والتواصل والمشاركة.