أ.د.عامر حسن فياض
أي عالم نعيش في ظل عولمة متوحشة حيث عسكرة المياه بسلاح التعطيش، وعسكرة الكهرباء بسلاح القطع وعسكرة الانتقال بسلاح النزوح والتهجير وعسكرة القوت بسلاح حرق الزرع وعسكرة بطون الشعوب بسلاح التجويع وعسكرة الصحة بسلاح منع وصول الدواء وعسكرة المعابر بسلاح السرقة والفساد وعسكرة المرافئ بسلاح التفجير.
اي عالم نعيش وقد اصبحت النقاوة السياسية النظيفة المتمثلة بالديمقراطية والحريات نقاوة وسخة متمثلة فقط بالليبرالية الرأسمالية المتوحشة، واصبحت النقاوة الدينية النظيفة المتمثلة بالتسامح والتعايش ما بين الاديان نقاوة متمثلة بصراع الطوائف وغلبة الطائفية الجهوية الضيقة، كما واصبحت النقاوة الحضارية المتمثلة بالأمم نقاوة متمثلة بالعنصرية القومية.
اي عالم نعيش ونحن ابتلينا ومبتلون الان بثقافة عولمة متوحشة جعلت من بلدان تحت الاحتلال ترفل بالانفتاح ومن بلدان ترفل بالاستقلال تعاني من العزلة والحصار، ونحن ابتلينا بساسة رفعوا رايات الاستقلال دون ديمقراطية، وابتلينا الان بساسة يرفعون رايات الديمقراطية بلا استقلال، وابتلينا بساسة حريات معدومة و الان بساسة حريات منفلتة، كما ابتلينا بمستبد واحد في وطن واحد والان بمستبدين في وطن واحد، ابتلينا بانتخاب متسلط واحد على كل الرقاب المتنوعة، والان ابتلينا بانتخاب المتسلطين على رقاب تنوعاتهم، وابتلينا بالقتل من الطرف الاول الرسمي، والان بالقتل من الطرف الثالث الغامض المتخفي غير المعروف، ابتلينا بحصارات البراني والان من حصارات براني وجواني، وابتلينا في عالم الامس من قسوة العيش في ماضي يكره الحاضر واليوم في العيش بقسوة حاضر يكره المستقبل.
اي عالم سياسي نعيش حيث تشويه الحق (القضية الفلسطينية) وتلميع الباطل (التطبيع مع العدوانية الاسرائيلية) لشيطنة كل ما له صلة بالقضية الفلسطينية ورحمنة كل ما له صلة بالعدوانية والعنصرية الصهيونية، عالم يسكت عن ضم ارض و عن طرد ونزوح والغاء شعب ويصرخ للتعمير بالمستوطنات في ارض محتلة.
نعم بالفواجع والمآسي و الكوارث تتدافع وتتوحد كل طاقات ابناء الاوطان الا اوطان العرب وطبقاتهم السياسية المتنفذة فانهم يتباعدون ويتشرذمون وكل يغرد خارج السرب الوطني لينخفض منسوب الوطنية ويرتفع منسوب التثوب الوهمي غير المستور بأغطية العدمية الوطنية (الاستقواء بالاجنبي – اللجوء للمحاكم الدولية – النأي بالنفس – السلام مقابل السلام – ترجي الوصاية الدولية) وغيرها من موديلات جديدة تروجها مصانع العولمة الرأسمالية المتوحشة.
كل ذلك لأن القلة الرأسمالية المتوحشة والنخب السياسية المتنفذة وطوابيرهم الخامسة (حكماء) في نهب اموال الشعوب وفي نشر الفساد بالاوطان ونبذ الاخلاق والمنطق في السلوك والتفكير وفي التباهي بشطارتهم في الخيانة والعمالة والتبعية ناسين ومتناسين ان الحكمة السياسية الحقة هي فك اسر العقل السياسي من الارتهان للمشاريع الاجنبية المتجاوزة على الوطنية، وعدم الانفعال امام المتفاعل والتفاعل مع المنفعل دون ادخال الاحتلال في دائرة الشرعنة والمقاومة في دائرة الارهاب والتجريم ليكون القاتل حرا طليقا و الضحية متضررا مقيدا، وليكون الفاسد آمنا و النزيه خائفا، وليكون ابناء الجوع متخمين بالزهد والصبر، وابناء الشبع متنعمين بالسحت والنهب، انه عالم يحترم فيه الطالح ويثاب، بينما الصالح لا يثاب ولا يحترم، والظالم فيه ينصف والمظلوم فيه يقصف، والمعتدي فيه يفلت من العقاب والمعتدى عليه ينتظر المزيد من العقاب.
وما علينا وسط هذه البانوراما غير المبهجة الا توجيه انذار ختامي يفيد بان البلاد، في عالم العولمة المتوحشة، التي لا تكون لها سيادة وطنية قادرة على توفير اكتفاء ذاتي بالغذاء والدواء والمعرفة، لن يكون لها مكان تحت شمس العالم الآتي.