تعدُّ الولايات المتحدة الاميركية واحدة من اكثر بلدان العالم استهلاكا للخام، لكنها ايضا بذات الوقت أكبر دولة منتجة للنفط الصخري في العالم، إذ بدأت– في أواخر القرن التاسع عشر – إنشاء العديد من المصانع لإنتاج كميات ضخمة من النفط تمكنها من ريادة هذا القطاع في ظل وجود منافسين عالميين مثل الصين وروسيا والبرازيل
وتتواجد حاليا في الولايات المتحدة نحو 7 تشكيلات رئيسة يتم فيها إنتاج النفط الصخري بكميات متفاوتة، لعل أبرزها وأهمها على الإطلاق هو حوض برميان الموجود في تكساس ونيو مكسيكو، ويعد أكبر تشكيل صخري ينتج النفط في أميركا، إذ كشفت إحصائيات أنه تم إنتاج نحو 4.80 مليون برميل يوميا من هذا الحقل فقط في كانون الثاني الماضي.
وإجمالا فإن النفط الصخري يعد عصب الاقتصاد الأميركي وهو الذي جعلها تقفز فوق دول اقتصادياتها قائمة بشكل كامل على النفط مثل العربية السعودية، وبلغ إجمالي النفط المُنتج من التشكيلات الصخرية في كانون الثاني من العام الحالي 9.2 مليون برميل، وهو عدد كبير بالتأكيد إذا ما تم النظر إلى إحصائيات سابقة، أشارت إلى أن الإنتاج في بعض الأحيان لم يتجاوز 22 ألف برميل في اليوم.
النهوض من الكبوة
ولكن لماذا راهن الرئيس الاميركي دونالد ترامب على النفط الصخري رغم الكبوة الشديدة التي مر بها مؤخرا، وكيف وضع مستقبله السياسي على حافة الهاوية، بينما كان الموردون يستجدون المشترين لشراء براميل النفط وأخذ أموال فوقها لأول مرة في التاريخ؟.
وفقا لمصادر صحفية، فإن قطاع النفط الصخري في اميركا يعاني حاليا من تبعات فيروس كورونا المستجد كأحد أكثر القطاعات تأثرا بالجائحة، فبجانب انخفاض الطلب بشكل حاد على المنتجات، فإن هناك تكلفة مرتفعة على
المنتجين.
وأوضحت االمصادر أن أبرز منتجي النفط الصخري في اميركا يخططون حاليا للاستغناء عن عدد كبير من العاملين بعد تكبدهم خسائر كبيرة وفادحة، لافتة إلى أنه تم الاستغناء عن نحو 100 ألف وظيفة في القطاع هذا العام، وهو رقم كبير جدا ويمثل ضررا بالغا بالاقتصاد الاميركي.
كما خفضت شركة «بايونير ناتورال» وهي إحدى أكبر وأهم الشركات العاملة في مجال النفط الحفري من إنتاجها ونشاطها في الحفر وسرحت عشرات العاملين، وأعلنت اعتزامها إعادة هيكلة جميع القطاعات في الربع الأول من العام المقبل.
ترامب والصفقات
وأصبح الرئيس الاميركي دونالد ترامب «عاقد الصفقات المحنك»، أمام أزمة حقيقية قبل الانتخابات الاميركية، إذ يواجه مشكلة في ارتفاع أعداد البطالة من جهة وتراجع الاقتصاد بشكل حاد من جهة أخرى، وهو أمر بالتأكيد يصب في صالح خصمه الديمقراطي «بايدن» الذي يلعب بدوره على مواطن الضعف جيدا، ويلوّح دائما بحلول
لتلك الأزمات.
وبحسب «ستيوارت سكيل» المحلل الاقتصادي، فإن «ترامب» لم يكن أمامه سوى عقد الصفقات والرهان على إعادة الحياة لقطاع النفط مجددا، خاصة بعد أن فرضت أزمة فيروس كورونا عليه خيارات محدودة للغاية، وأصبح مضطرا للمجازفة، لافتا إلى أن «عودة الحياة لطبيعتها تسهم في تحريك عجلة الإنتاج، لذا فإن ترامب من أشد مؤيدي إنهاء إغلاق الاقتصاد».
وقال «سكيل» في تصريحات خاصة، من «هنا يمكننا فهم لماذا أصر ترامب على إنهاء الإغلاق في بعض الولايات الأميركية سريعا، رغم ارتفاع أعداد المصابين والوفيات بالفيروس، لأنه يعرف جيدا أن مصيره في الرئاسة مرتبط بعودة العجلة الإنتاجية، فالبطالة تزيد يوما بعد يوم بشكل مخيف، والاقتصاد الاميركي القوي يعاني، والدولار ينزف بشكل متواصل».
وتوقع المحلل الاقتصادي نهوض الاقتصاد الاميركي خلال الفترة المقبلة بسبب قطاع التكنولوجيا، ووجود شركات رائدة كجوجل وأبل وأمازون، والتي تسهم في دعم وتنشيط الاقتصاد الاميركي في ظل الحاجة إلى الأجهزة الحديثة بسبب التعليم عن بعد والتواصل عبر الفيديو شات
وغيرها.
مؤشرات إيجابية
الملاحظ – بحسب المصادر الصحفية – أن الشهر المنقضي آب، بدأ الاقتصاد الاميركي يعود إلى طبيعته بشكل تدريجي، خاصة بعد استئناف العمل في 183 موقعا من حفريات النفط، وكان الأمر يقتصر على 11 موقعا فقط بداية من 17 كانون الثاني
الماضي.
وقالت شركة خدمات الطاقة «بيكر هيوز» في أحدث تقرير لها، إن هناك مؤشرات إيجابية للغاية في ما يتعلق بالإنتاج المستقبلي للنفط الصخري، حيث ارتفع من 10 (أدنى مستوى) إلى 254 منصة في الأسبوع المنتهي في 21 آب بالتحديد.