قضيت أياماً برفقة صديق في مستشفى حكومي بسبب وعكة صحية ألمت به، ولأن الأمر اقتضى مراعاته من قبل الكادر الطبي وتنظيم العلاج تحت اشرافهم ، فقد كلفتني هذه الرحلة التي امتدت نحو (5 أيام) الى الاشارة لما رأيته بأم عيني، مستشفى (الامام الصادق «ع «) في مركز مدينة الحلة ، هي بناية حديثة المنشأ افتتحت قبل فترة قريبة، لكن أهالي المدينة يطلقون عليها (المستشفى التركي) ، والأمر يعود الى الشركة المنفذة ، البناية التي صممت بـ(6 طوابق) موزعة بحسب التصميم الى اختصاصات معينة وفق تخطيط مسبق ، كانت على طراز حديث ومواصفات معاصرة، والأمر الأكثر انتباهاً ان الكادر الطبي أغلبه من الطاقات الشابة، بمتابعة أكثر من رائعة من الاطباء الخبراء، كما كانت هناك دقائق في التعامل مع المرضى ومن رافقهم بأساليب متحضرة، وهذا يعكس مدى نشأة الوعي للجيل الحالي في هذا المجال، وكانت المتابعة في كل طابق للمرضى في جميع الاوقات من دون ملل او من دون لف ودوران، أحسب من خلال ذلك ان هذه الطبقة التي تعد الآن من أهم طبقات المجتمع في الوقت الحالي بسبب الأوضاع التي يمر بها البلد او العالم بأجمعه في حياة الجائحة، قد برهنت لنا جميعا ان جوهر الانسان العراقي وتكوينه العام فيهما من الخير والتسامح ومحبة الآخر ، رغم حياة الحروب ونتائجها التي عشنا تفاصيلها منذ اربعة عقود مضت.
ولكن من جهة اخرى، لم يكن العلاج المخصص للمرضى كافياً في تخطي اللازم، بمعنى لو قدر لكل انسان أن يرقد في المستشفى الحكومي فان ذلك يكلفه بعض الأموال في صرف العلاج الذي يشتريه من خارج بناية المستشفى وتحديدا الصيدليات المحيطة بها التي يبقى بعضها حتى الصباح ، والسؤال الذي يطرح نفسه: لو كان المريض من الطبقة الكاسبة وليس لديه ما يكفي من المال في شراء الدواء ..؟ وماذا لو كانت بعض (وصفات الطبيب) تكلف مالا ولا يستطيع المريض شراءها..؟ يفترض وجود مشروع الدولة في حماية الناس المرضى من هذه المحنة، بالاضافة الى ذلك لم تكن هناك وجبات غذائية مخصصة للمرضى في المستشفى هذه مثلما كانت في الفترات الماضية ، وهذه تعد قضية اخرى او بالاحرى تعد عبئاً جديدا على المريض محدود الدخل ، فبقدر ما كانت فرحتنا كبيرة في هذا المنشأ وبالمتابعة المتواصلة في تعفير المكان من الوباء ومن جميع الامراض الاخرى، وفي الوقت نفسه وجدنا هذه الملاحظات التي تعد مفارقة موضوعية بشكل عام، ومن خلال متابعتنا ومعرفتنا لبعض الأشياء التي تخص ميزانية الدولة ، فتوفير الأمور الأخرى او تكميلها لن يؤثر في صرفيات الدولة ، ففي اغلب الدول كما هو معروف هناك (ضمان صحي) بمتابعة من قبل الدولة..
عموماً، يجب الاستفادة من هذا الجيل الطبي بملاكاته الشبابية التي برهنت لنا ان العمل المهني في مجال الطب هو عمل انساني بالدرجة الاساس قبل أن يكون واجهة اجتماعية كما يشعر بها الاغلب الأعم من المجتمع ، ولا بد من الاشارة ايضا الى ان هذا الجيل الشبابي قد علمته المحنة كيف ينظر الى الاشياء بعين الشعور بالمسؤولية والحفاظ على موقع العمل الذي يعمل فيه.