النص الشعري رؤية حية منتظمة بتناسق فني جاذب بلغة زئبقية مستفزة للذات المستهلكة(المتلقي) تنبعث من المشاهد الحياتية، يحقق وجودها شعريا منتج(شاعر) واع لفته الشعري بتوظيف التعابير اللغوية المشحونة بطاقة التوتر والايحاء ببناء فني متماسك، متكئ على التكثيف الصوري والعمق الدلالي، وقد شهد في ظل تيار الحداثة تطورات لحقت بمبناه ومعناه، كان آخرها قصيدة التفعيلة والنثر.
وباستحضار المجموعة الشعرية"ملحمة التكتك" بنصوصها النثرية والشعرية الراصدة لحركة الانتفاضة التشرينية في واقعها المجتمعي ومكوناته، ونسخت عوالمها بوعي انامل منتجها الشاعر يحيي السماوي واسهم الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق في نشرها وانتشارها 2020، كونها تقوم على دائرة نصية مكانية تعبر عن فكرة مركزية في سياق حسي مقترن بالحياة، اضافة الى تنوع صورها الشعرية الموزعة بين امتداداتها المقطعية (الكتلية) التي شكلت المحرك النابض لتفعيل النص جماليا، بصفتها احد اهم اركان قصيدة النثر، فضلا عن توظيف الطبيعة بكل مظاهرها لخلق نص اللوحة المتوهج بخصوبته والمكتظ باسئلته المثيرة للجدل، بدءا من الايقونة العنوانية السيميائية الدالة، التي تميزت بطابعها التقني ـ الفني والجمالي ـ المقصدي، وقد تشكلت من بعدين فنيين: اولهما البعد العلاماتي المقترن بالنصوص الموازية (المنتج والجنس واللون..) وثانيهما التشكيلي،الصوري المؤثر حسيا وحركيا، ذهنيا ووجدانيا، وقد اعتلته لوحة تشكيلية وزعت الوانها انامل الفنان تحسين الزيدي وقد سيطر اللون الرمادي الداكن على معظم مساحة الغلاف الدال على واقع مأزوم كشفت عنه اجساد منتفضة.
جلالة الخليفة/ قبل ان تشيد لنا الجسور/ شق لنا الانهار اولا، ما الفائدة من رسمك للرعية/ قوس قزح/ اذا كنت ستطفئ خضرة الحقول، وصفرة السنابل/ وزرقة السماء/ وحمرة الشفق/ وبياض الصباح؟، الاعمى../ يحتاج عكازا وطريقا معبدا/ لا مرايا ولافتات ضوئية /ص7
فالشاعر يوظف الفعل الدرامي الحركي الذي يأخذ ابعادا نفسية واجتماعية تؤطر الجسد النصي المقطعي بوحدة موضوعية وهو يسبح بين عالمين مترابطين: عالم الذات وعالم الموضوع المتسم بالوعي الذي يعني الموقف الفكري الملتصق بالانسان،اضافة الى ان المنتج(الشاعر) يخلق نوعا من التوازن ما بين الفكرة والصورة المكونة للسياق النصي المتميز بالعمق الدلالي المنبثق من خزين الذاكرة وهي تعالج واقعا مأزوما وترسم ابعاده بدقة بكل مكوناته.
دقت عقارب ساحة التحرير/ تك.. تك.. فضج الكون بالتكـبير/ زحف الضياء على الظلام مجلجلا/ لا حكم بعد اليوم للديـجور/ غضب الحليم اذا استـفز قيامة/ واذا استجير فبرده كسعير/ سيحط سفر المجد ان شبيبة/ هزموا الرصاص وهم عراة صدور/ص11
فالمنتج(الشاعر) ينطلق بتوصيفه الحالة المنتفضة من ضروراتها الذاتية والموضوعية، كي يرسم حالة انتماء صادقة لمجتمعه باعتماد مفردات موحية بعيدة عن الضبابية والغموض، لخلق صوره المشهدية التي تعني قيمة فنية مستمدة من واقعية اللحظة الجامعة ما بين النبضات الفنية والالتقاطات الجمالية التي يخلقها المنتج(الشاعر) محددا ابعادها بقدرته الفكرية وتفاعله النفسي بترويض المعاني البصرية وتجريدها من واقعها بتوظيف تقنيات فنية واسلوبية، كالتنقيط (التشكيل الصامت) ودلالة الحذف الذي يستدعي المستهلك (المتلقي) لملء فراغاته، والتكرار اللفظي الدال على التوكيد والذي يضفي موسقة مضافة الى الجسد النصي، اضافة الى السردية الشعرية، من اجل ملامسة العمق النفسي في الاداء الفني الشعري.
كل حزب/ وله بئر وميناء/ وجيش، وزنازين وجلاد/ وبطش، ولراعيه بقصر الحكم/ عرش، كلهم اصبح (ابراهيم) أما الشعب والبيت / فكبش ... ص100 ـ ص101
فالنص هنا شكل من اشكال الانزياح الشعري الناجم عن موقف انفعالي يباغت المستهلك(المتلقي) بصوره التي تكشف عن عمق دلالي لانها تجعل من اللغة فكرا والمرئي تخيلا، بتشكلها من الفكرة الشعرية لا من اللغة الشعرية، مع توظيف بعض الاساليب البلاغية(الاستعارة والجناس..)، فضلا عن اعتماد الايجاز والاختزال والمقطعية الكتلية الحاضنة للصور الشعرية، وبذا كشف المنتج (الشاعر) عن قدرة فكرية منتجة وحضور فاعل ومتفاعل مجتمعيا عبر نصوصه المنسوجة وفق مضمار الحداثة الشعرية.