هو نهر صغير، غير عريض الضفتين، نحيف البنية، يشبه الصبية الذين يسبحون فيه ايام الصيف والربيع والخريف.. في الشتاء لا أحد يسبح ولكن كنا نكثر من تأمل مساره الجميل ونحن نجلس بالدشاديش بعد العودة من المدرسة عند ضفتيه.
سميناه نهر البطيخ ويسميه أهل (ابو صخير) نهر (البدعة) وهو يخرج كفرع صغير من النهر الرئيس.. من الفرات ليسقي مجموعة من الأراضي والمزارع، محاولا أن ينتهي عند نهر (الغازي)، لكن نهر البطيخ لا يصل.. اسمعتم بنهر لا يصل المصب؟ انا سمعت بذلك وشهدته
مرتين.
المرة الاولى هذه عند نهر البطيخ الذي يضيع بين الاراضي التي يسقيها ويتحول الى سواق.. تضيع هي الاخرى وسط الأراضي الممرعة التي تمر بها، والمرة الثانية عند نهر الدغارة – عفك الذي يتفرع من صدر الدغارة قرب قصر الملك عن نهر الديوانية، ويسير مجتازا مدن الدغارة وجلعة اشخير، التي تسميها الحكومة ناحية سومر ثم ينطلق الى قضاء (عفك) ويجتازه الى ناحية آل ابدير التي سمتها الدولة ناحية التحرير، متجولا في مزارع هذه المناطق، حتى يتحول الى سواق تضيع وسط هذه المزارع الجميلة التي تتاخم منطقة الصحراء التي تؤدي الى مدينة (الحي) وتلك حكاية أخرى.
نهر البطيخ كان يسير خلف دور الموظفين في (ابو صخير) التي تسمى اليوم (قضاء المناذرة) ويوم جاء حضيري أبو عزيز ليحيي حفلا اقامه والدي عند زيادة راتبه السنوي اربعة دنانير عام 1945( بعد توقف ترفيعات الموظفين لسنوات) جرى الحفل على اكتاف نهر البطيخ، وارتفع صوت حضيري الشجي بحضور قائممقام المدينة والحاكم ومعاون شرطة البلدة وضابط التجنيد(ابو شعاع ) والوالد الداعي والتاجر الياهو خلاصجي والحاج وداي.
كنت جالسا في حضن جدتي مكية بافي أستمع الى أغاني حضيري وصوت الدربكة حتى غفوت، وكانت والدتي والمعلمات الغريبات عن المدينة يجلسن بعيدا عن الحفل ويصخن السمع مسرورات، كانت حفلة جميلة بقيت نشاطاتها حتى الفجر، خسر فيها والدي ايامها أكثر من ثلاثين دينارا مقابل الترفيع وبقى مدينا على راتبه لأشهر حتى أكمل
دينه.
لا أحد منا نسي أغاني حضيري عند نهر البطيخ :أحنا بنات البلد والكهربا عدنه – هلي – عمي يا بياع الورد وعشرات غيرها.
بقيت حفلة نهر البطيخ شامخة في ذكريات العائلة.. حتى رحل أكثرهم، ورحل نهر البطيخ الذي تحول مجراه بعدها.!