الأحياء العشوائية.. أسباب وحلول

آراء 2020/09/12
...

  د. عباس هاشم صحن*
  تُعد ظاهرة العشوائيات من الظواهر المجتمعية المركبة، عانت منها الكثير من دول العالم، وتفاقمت وانتشرت في بعض البلدان بعد الحرب العالمية الثانية خصوصا في ألمانيا وايطاليا ومجموعة دول الاتحاد السوفيتي السابق، هذه الأزمة لا تزال قائمة في دول العالم النامية منها على سبيل المثال الهند والبرازيل والارجنتين والكثير من الدول الأفريقية والآسيوية،. وتُعرف بأنها تلك الأحياء السكنية غير المنتظمة البناء، وغير مرخص لها، ولا تحمل الصفة الرسمية، وتتسم بالاكتظاظ وبتلاصق المساكن بطريقة غير نظامية، تبنى غالباً من مواد قديمة ومستعملة، كما أن مساكنها تفتقر إلى السلامة اللازمة، وشوارعها ضيقة وملتوية، تتدهور فيها الخدمات الصحية والبنى التحتية، وتنتشر في كثير منها الامراض والانحرافات السلوكية، ويشعر أهلها بالتهميش، ويعانون الفقر .
  ظهرت العشوائيات في الدول العربية بسبب مشكلات متراكمة منها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ففي العراق مثلاً فان إشكالية الأزمة ليست وليدة اليوم، فهي امتداد لأزمة السكن في العهود السياسية السابقة، حيث شهد تاريخ العراق الكثير من الأحداث المختلفة والمؤثرة في نشوء هذه الأحياء، فمنذ سقوط بغداد للمرة الأولى على أيدي المغول عام 1258 م اندثرت الكثير من المعالم الحضارية، وصاحبته عملية ذوبان المدينة مع بوادر لظهور التجمعات القبلية، ثم توالت موجات الغزو حتى عام 1638 م، وخلال مدة حكم العثمانيين تقلصت المدن تحت أسوارها خوفا من الغزوات الخارجية، وفي القرن الثامن عشر بدأت المستوطنات الحضرية بالظهور والانتشار وكذلك شهد مطلع القرن العشرين توسعا كبيرا نتيجة الأسلوب الجديد المتبع في الحياة الحضرية والاجتماعية ودخول التكنولوجيا بشكل تدريجي، وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، أصبح العراق مستعمرة بريطانية، فظهر في أجزاء من مدنه نوع جديد من التحضر يقابله تهميش واندثار في أجزاء أخرى، وحدث بعد ذلك عدة تحولات مختلفة بتركيبة المجتمع نتيجة لتلك التطورات التاريخية والانتقالية ضمن المراكز الحضرية مما أدى إلى عمليات جذب كبيرة وواسعة لهذه المراكز وخاصة بغداد، وهجرة غير مخطط لها، ومن ثم ظهر العديد من الأحياء العشوائية المتخلفة، ومنذ ذلك الحين لم تضع الدولة حلولاً جذرية لهذه الظاهرة، الأمر الذي زاد الوضع سوءاً تناميها بعد العام 2003 م وظهورها بالقرب وداخل مراكز المدن الحضرية. 
اسباب ظهور المشكلة فهي غالبا ما تكون مشتركة بين جميع دول العالم، منها الهجرة من الريف إلى المدينة، وارتفاع قيمة استئجار المساكن، وارتفاع أسعار الأراضي المعدة للسكن، وقلة انتشار المشروعات السكنية، وارتفاع معدلات النمو السكاني، و النمو الحضري السريع والنزاعات والأزمات السياسية و الكوارث الطبيعية والفقر، اضافة الى ضعف القانون وغياب السلطة المركزية وغياب دور مؤسسات الدولة الإدارية والقانونية وتقاعسها عن تنفيذ التشريعات المرتبطة بهذا القطاع والقوانين التي تنظم حركة العمران، إن هذه الأسباب تؤدي وبشكل كبيراً في زيادة العجز السكني مما يضطر الأسر الفقيرة أن تتخذ من المساكن المتواضعة مأوى لهم . 
 ويمكن الإشارة إلى عدد من السياسات لمعالجة الظاهرة التي طبقت في بعض الدول العربية :
1- الإزالة وإعادة البناء أو إعادة التوطين ( سياسات الهدم ).
2- سياسة التطوير والتحسين. 
3- سياسة المساعدة المالية والتقنية.
 وحققت هذه السياسات نجاحات مهمة بالدول التي سعت بجدية لحل المشكلة، إذ كان لها فضل كبير في نقل الأحياء العشوائية من الهامش إلى السكن الحضري والقانوني المعترف به، والنهوض بالمستوى الاجتماعي والاقتصادي للساكنين، وفي العراق ولغرض تجاوز الأزمة، نشير الى ضرورة تكامل الجهود الحكومية والشعبية، والاستعانة بتجارب الدول في حل هذه المشكلة المجتمعية، والعمل الجاد لإعادة بناء المدن والقرى والمنشآت والحقول التي دمرتها الحروب، و تخصيص الأموال اللازمة لقطاع الإسكان ضمن الموازنة السنوية العامة، لتنفيذ مشروعات سكنية لإصحاب الدخل المحدود وتوزيعها بضوابط وشروط تخدم أولويات من لا يملك سكنا، وبمواصفات تتناسب وعدد أفراد الأسرة مما يساعد على خفض أسعار سوق السكن، وانتفاع هذه الشريحة وتحسين أحوالهم المعيشية.
*مركز التخطيط
 الحضري والاقليمي للدراسات العليا