من الأصدق من الآخر الشارع أم الإعلام؟ المفروض ألا يكون هناك فرق كبير يصل الى درجة البحث عن من هو الاصدق، وقد يطرح السؤال بطريقة اخرى، هل يواكب الإعلام تطورات الشارع؟ فعندما نبحث عن ايهما اصدق، نعترف بوجود مشكلة كبيرة، تؤشر مدى التفاوت الحاصل بين ما نرى ونسمع ونعيش يوميا في الشارع والإعلام.
لنكن اكثر صراحة، ان التفاوت امر طبيعي في الكثير من الامور، فما يقدم فنيا بالتأكيد يختلف عما يقدم على مائدة الحياة. ولكن تبقى نسبة الصدق والموضوعية هي المعيار الحقيقي الذي يلزم من امتهن المتاعب صحافة.
فالاقتراب من الحقيقة رحلة خطرة، تقطعها وحدك في اغلب الاحيان، في مواجهة الكثير من المخاطر، وقد تتوقف مبكرا او تستكمل الطريق بالاعتماد على خزينك المعرفي وصلابة عزمك.
لنعترف، ان هناك فجوة كبيرة بين الاثنين، فنحن في كثير من الاحيان نخاف ان ننقل ما يدور فيه، واذا ما فعلنا فعدد المكياج جاهزة لإخفاء عيوبه في انعكاس مرآته التي لا تخجل من قول الحقيقة وبصوت عالٍ. وهذا هو باختصار الفرق بين الكثير من المحطات الفضائية والاقلام والاسماء التي تتصدى للعمل الاعلامي والصحفي. ترى أعلاها صوتاً، محطات الاحزاب والشخصيات، لاتهتم لبناء الدولة، والبحث عن مادة اعلامية وسبق صحفي اهم عندها من تعبات ما تبثه، جل همها هو الضغط للحصول على مكاسب في المستقبل. في الطرف المقابل محطات شبه حكومية ما زالت تعمل على ذات التردد والموجة القديمين، صحافة الحكومة للحكومة، على الرغم من الدعوات الكثيرة لعتق رقبتها.
من حيث المبدأ الشارع أقرب لنا وعلينا ان نكون جزءا من حراكه اليومي، رغم قسوته، فنقل الحقيقة انجع من كتمها، والانفتاح على المشكلات اهم بكثير من نفيها، والتعايش مع المشكلة ومحاولة البحث عن حلول لها ابرأ للذمة واقرب للصدقية والموضوعية.. وفي كل هذا سحب للبساط من قنوات لا يهمها ان أكل المواطن او شرب، بات تحت سقف او تحت قصف. ارى بوصلة التغيير بدأت الحركة باتجاه كسر السائد طيلة 17 عاما الماضية في طريقة اعداد الاخبار السياسية تحديدا والانفتاح على مشكلات الشارع على قناة العراقية. هل يكفي هذا لنقول ان الفجوة قلّت بين الشارع وإعلامه، بالتاكيد كلا، ولكنها خطوة بالاتجاه الصحيح نتمنى لها ان تستمر وان تتبعها خطوات اخرى، فخطاب الشارع متعدد ومتنوع ثقافيا واثنيا واجتماعيا وسياسيا وانسانيا. ولنا عودة.