جامعة واسط تناقش مستقبل الشعر ومتغيرات العصر

ثقافة 2020/09/14
...

  إحسان الزبيدي
في أجواء مترعة بالنقد والفكر عقد الصالون الثقافي في قسم اللغة العربية/ كلية التربية للعلوم الإنسانية/ جامعة واسط ندوة تفاعلية بعنوان (مستقبل الشعر ومتغيرات العصر) تمحورت حول الشعر العربي ومستقبله في ظلِّ المتغيرات الكبيرة التي يشهدها العالم.
اشتركت في الندوة نخبة من الشعراء والنقاد العراقيين والعرب وهم: د.عارف الساعدي، د.حسين الكاصد، د.رحمن غركان، والناقد علي سعدون، د.علي الدلفي، والناقد علي هاشم، د.جاسم محمد جسام، ومن الجزائر د.زهيرة بولفوس. 
 أدار الندوة والتقديم أ.د ثائر العذاري، ود.جاسم الخالدي رئيس قسم اللغة العربية. 
استهل د.جاسم الخالدي الندوة بمجموعة من الأسئلة المتعلقة بالشعر العربي في المرحلة الراهنة بتشعباتها وتقلباتها المختلفة، وبما ينتظر هذا الشعر من تحديات، وهل يمكن له أن يبقى صالحًا بمقدار ما كان عليه في الأزمان السابقة؟ 
رأى (عارف الساعدي) أنَّ الخوف على مستقبل الشعر شكَّل هاجسًا لدى الشعراء في ظلِّ ما تشهده الحياة من متغيرات سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية، ولاسيما بعدما شهده العالم من تطور هائل في وسائل التواصل (Social media)، وما تُلقيه من ظلال على الأدب عامة والشعر والشعراء بوجه خاص، وما سبقها من صعود أجناس أدبية أخرى زاحمت الشعر مثل: المسرح والقصة والرواية، وأضاف الساعدي، بأنَّ الشعر - على الرغم من كلِّ التحديات - مازال يتغلغل في الكثير من مفاصل الحياة، وأشار إلى أنَّ الإقبال الجماهيري على الشعر الشعبي مدعاة لأن يراجع شعراء الفصيحة أنفسهم وأن يطوروا تقنياتهم، تماشيًا مع تطورات العصر وذائقة الجمهور، وإلَّا فإنَّ الانقراض مصير الشعر والشعراء.
 
التجييل الشعري
وقال د. حسين القاصد: ألا جديد سيطرأ على شكل القصيدة العربية في المرحلة الراهنة. أمَّا على مستوى المضامين والموضوعات فنحن وإن غادرنا مراحل الدكتاتوريات لكنَّنا مازلنا نعيش زمنًا مستنسخًا يشبه إلى حد كبير بدايات القرن العشرين. ورأى بأنَّ مسألة (التجييل الشعري) قد انتهت بعد سقوط نظام صدام لأنَّها – بحسبه - بدعة سياسية وظَّفتها السلطة السياسية لتحقيق مآربها، والدليل أن حقبة ما بعد السقوط لم تبلور جيلًا شعريًّا، فالشعر العراقي الذي ارتبط لسنين طويلة بالسلطة السياسية أخذ يتشظَّى بين أحزاب السلطة الفرعية والقبيلة والعشيرة وعاد الشعر الشعبي يزدهر من جديد، كما رأى (القاصد) أنَّ القصيدة العربية في جانبها السياسي ترتبط تمامًا بالسلطة السياسية، أمَّا اليوم فالكل ضد هذه السلطة، حتى أولئك الذين ارتموا في أحضانها. أمَّا على المستوى الاجتماعي فالقصيدة العربية ترتبط بالحوادث والتحولات، كما أشار إلى قضية استسهال الشعر وكتابته في مواقع التواصل التي أفرزت تخمة في الشعراء وشحة في الشعر.
وتحدثت د.زهيرة بولفوس من الجزائر عن الشعر العربي، إذ رأت بأنَّه مازال يشكِّل حضورًا فاعلًا في الحياة العربية، لكنَّ الرهانات الجديدة تفرض على الشاعر أن يطور أدواته، ولاسيما في كتابة القصيدة التفاعلية بعيدًا عن استسهال كتابتها، وأن ينفتح على متغيرات العصر بالشكل الذي يجعله متجددًا ومواكبًا لهذه المتغيرات، كما شدّدت على قضية التجريب في كتابة الشعر وضرورة ابتكار تقنيات تجعله قادرًا على الاستمرار والبقاء.
 
التكهن بالمستقبل
بعدها تحدّث د.رحمن غركان قائلا: إنَّ من السهولة التكهن بمستقبل الشعر، وأنَّ الحديث عن ضعف الشعر غير وارد في الذاكرة العربية؛ لأن الشعر شرط وجودي للذات الإنسانية، ولأن لغتنا وثقافتنا شعريتان بامتياز، ورأى أن نوع المتغيرات هي التي توجه الشعر سلبًا أو إيجابًا، وأنّ ما شهده الشعر من متغيرات في السبعين سنة الماضية يعادل ما شهده على مدى 1700 عام وذلك؛ لأنَّ هذه المرحلة شهدت تغيرات كبيرة أثَّرت في إحساس الشاعر بالأشياء من خلال الكلمات. ورأى بأنَّ القصيدة الفصيحة يمكنها أن تكون مؤثرة وفاعلة ومتفوقة على القصيدة الشعبية إذا ما التفت الشعراء لتقنياتهم وطوروها، وساندهم النقاد في توضيح تلك التقنيات التي من بينها تقنيات التقديم 
والقراءة.
أمَّا الناقد (علي سعدون) فقد أكَّد بأنّ لا خوف على مستقبل الشعر العربي؛ لأنَّه متجدد وقادر على التطور والاستمرار، لكنَّه مع ذلك رأى بأنَّ هناك هاجسا نقديا يدعو إلى الخوف على الشعر، فالنقد الأدبي في ضوء القراءة النصية لم يرتقِ بالقصيدة الراهنة وعليه فإنَّنا بحاجة ماسة إلى تفعيل النقد الثقافي، كما نصح الشعراء بالابتعاد عن تكرار التجارب الشعرية وعن استعمال القوالب الجاهزة.
 
كيان اللغة
ثمَّ تحدَّث أستاذ اللسانيات في قسم اللغة العربية د.علي الدلفي طارحا بعض الأسئلة المهمة بشأن كثرة الشعراء وأثرها في نوعية الشعر، وهل استطاع الشعر العربي أن ينحت في كيان اللغة؟ وهل تحرّر الشعر من هيمنة الدكتاتورية؟ وهل يمرّ الشعر الآن بمرحلة نكوص؟ أشار خلالها إلى أنَّ الشعر العربي لم ينزل إلى الجماهير وإنَّما ظلَّ في برجه العاجي يخاطب – فقط - شريحة المثقفين.
كما شارك الناقد علي هاشم بمداخلة ردّ فيها على رأي (القاصد) بأنَّ مسألة (التجييل) لم ترتبط بالسياسة وإنما وضعت لغرض الدراسة ولتمييز الشعراء، كما تداخل د.سعد التميمي ورأى "أنَّ لكلِّ جنس أدبي صناعته وذائقته الخاصة، وأنَّ تراجع الشعر أمام الرواية كون الأخيرة هي الأقرب إلى تصوير الواقع وتقديم المعالجات".
كما شارك د.جاسم محمد جسام بالحديث عن هذه الاشكالية قائلا: "إنَّ الخوف على مستقبل الشعر نتيجة حتمية لدخول أجناس أدبية منافسة من أهمها الرواية لأنَّها استوعبت كلِّ المتغيرات التي حدثت بعكس الشعر الذي أخفق في هذا المجال".