د.صادق كاظم
مع اقتراب عودة موسم الدراسة لمختلف الاعمار تواجه الاجهزة التربوية والصحية معضلة كبيرة تتلخص في كيفية اعادة الطلبة الى مقاعد الدراسة من جهة والمخاوف من تفشي الوباء من جهة اخرى، خصوصا وان هذه العودة تتزامن مع حلول فصل الخريف والذي يعد من أخطر الفصول، إذ انه سيشهد تغيرات مناخية قد تكون ملائمة لنشاط اكثر تأثيرا لوباء كورونا بحسب تأكيدات منظمة الصحة العالمية.
لقد كان العام الدراسي الماضي مليئا بالمطبات التي لم تسمح باستمراره بشكل طبيعي ومنذ البداية، إذ شهد انطلاقة التظاهرات الاحتجاجية ومشاركة طلبة المدارس والجامعات فيها وبقوة مما ادى الى حصول اضرابات مفتوحة فيها وتوقف الدراسة بشكل شبه نهائي أعقبه ظهور وباء كورونا الذي ادى الى اغلاق المدارس بشكل نهائي وعند انتهاء امتحانات نصف السنة التي تم اعتمادها كدرجة نهائية لكل المراحل باستثناء مرحلة الصف السادس الاعدادي المنتهي.
بالرغم من تلميحات بعض المسؤولين عن التعليم الالكتروني كوسيلة لايصال الدروس والمحاضرات الى الطلبة لاستمرار العام الدراسي وعدم توقفه مثلما حصل في العام الماضي، لكن السؤال المحيّر هل بالامكان ضمان عدم تفشي الاصابات بين صفوف الطلبة في حال عودتهم الى مقاعد الدراسة؟ وهل بالامكان تلافي الاصابات عند تطبيق اجراءات ومعايير الوقاية من الوباء؟. بالتأكيد الجواب ليس قاطعا وجازما، والامر لا يحتمل ايضا المجازفة بارواح الطلبة، خصوصا وان المدارس بمختلف انواعها لن تكون لديها القدرة الكافية لمراقبة معايير الالتزام والسيطرة على حركة الطلبة وضمان عدم تفشي الوباء في صفوفهم، فضلا عن محدودية قدرات مؤسساتنا الطبية في معالجة حالات الاصابة بالفيروس، إذ انها تعاني حاليا من مشاكل عديدة رغم جهود الجيش الابيض الكفوءة والمقتدرة في معالجة حالات الاصابة والسيطرة على الوباء، إذ ستضيف عودة الطلبة الى صفوف القاعات الدراسية واحتمال حصول انتشار خطير للاصابات لا سمح الله أعباءً كبيرة على الاجهزة الطبية المثقلة أصلا.
إن قرار اعادة الطلبة بمختلف مراحلهم الى مقاعد الدراسة ينطوي على مجازفة كبيرة في ظل اعدادهم الهائلة واكتظاظ الصفوف الدراسية بهم وافتقارها الى أبسط الشروط الصحية والتي تحتاج الى جهود كبيرة وتضافر ملاكات المؤسسات التعليمية والصحية في إنجاح هذه الخطوة وحماية الطلبة من مخاطر هذا الوباء.
إنّ موسمي الخريف والشتاء المقبلين يُعدان من الناحية الطبية من الفصول التي من الممكن ان ينشط فيها الفيروس القاتل بوصفه يفضل المناخات والاجواء الرطبة والباردة وسهولة انتقال العدوى، وهي حتما تشكل خطورة على الطلبة في المدارس الذين سيكون من الصعوبة السيطرة على اعدادهم الكبيرة بسهولة، فضلا عن التزام الطلبة انفسهم بمعايير السلامة والوقاية
من الوباء.
إن مراجعة هذا القرار تعد امرا ضروريا واللجوء الى خيار التعليم الالكتروني عن بعد يعد الأنسب لضمان عدم حصول الاختلاط بين الطلبة وعدم انتقال وتفشي العدوى في صفوفهم، صحيح ان بعض الدول الغربية قد سمحت بعودة التلاميذ الى صفوفهم مع اخضاعهم الى رقابة صحية صارمة تعود الى تقدم وتطور مؤسساتهم الصحية وتوفر العلاجات والمؤسسات القادرة على التعامل بكفاءة عند حصول العدوى، لكن ذلك لم يكن مانعا من ظهور الاصابات وتفشيها، فضلا عن احجام نسبة كبيرة من الأسر هناك عن ارسال أبنائها الى المدارس خشية العدوى مع وجود قرار حكومي لا يلزم الطلبة بالحضور إجباريا الى قاعات الدراسة والاكتفاء بالحضور والمتابعة الالكترونية لتفادي فرص حصول الاصابات بين صفوف الطلبة وحرصا على سلامتهم من الوباء، وهو وضع نتمنى على الحكومة ان تأخذه بنظر الاعتبار لحين التوصل الى لقاحات وعلاجات حاسمة لمعالجة الوباء والحد من
خطورته.