ترجمة وإعداد : انيس الصفار
مع اقتراب موعد انتخابات 2020 (في الولايات المتحدة)، يتصاعد التوجس من احتمالات التأثيرات الخارجية، وربما حتى التلاعب والارباك المباشرين، ومرة اخرى تبرز روسيا كهدف رئيس تتوجه نحوه هذه التوجسات رغم أن تحقيقات "أف بي آي" وتحقيق المستشار الخاص "روبرت مولر" الذي أعقبها أخفقت جميعاً في العثور على دليل مؤكد يثبت وجود تواطؤ بين "دونالد ترامب" وموسكو بخصوص انتخابات 2016.
قد تكون الاتهامات الموجهة الى روسيا مضخمة، ولكن القلق من محاولات خارجية للتأثير في أداء الإدارة الأميركية وسياستها الخارجية له ما يبرره. هذه المشكلة ليست بالجديدة وروسيا ليست الوحيدة المتورطة فيها بل هناك دول اخرى تلعب هذه اللعبة منذ عقود من بينها تركيا واسرائيل وحلفاء أميركا في أوروبا وشرق آسيا، بما في ذلك تقوية العلاقات مع وسائل الاعلام ومؤسسات الابحاث الأميركية، وقد حققوا نجاحاً ملحوظاً.
أحد اللاعبين الأحدث عهداً هي جمهورية الصين الشعبية. كانت اول حملة تدخّل مهمة لبكين في السياسات الأميركية هي محاولتها الترويج لـ"بيل كلنتون" في العام 1996. منذ ذلك الحين ازدادت حملات التأثير الصينية كثافة وشدة، لاسيما الموجهة منها لتكييف ما تعرضه وسائل الاعلام عن سياسات الصين الداخلية والخارجية. رغم هذا بقي تركيز الكونغرس والاعلام مسلطاً على روسيا من دون التفات يذكر الى المساعي الصينية، وهو سلوك لا يخلو من ازدواجية وقصر نظر.
تكرر نهج الكيل بمكيالين مرة ثانية في شهر آب عندما تحدث تقرير للمخابرات عن احتمالات التدخل الاجنبي في انتخابات 2020. ورد في التقرير أن روسيا تسعى لإعادة انتخاب ترامب مجدداً وانها تتبنى مبادرات نشطة لبلوغ هذه الغاية، بيد ان التحليل تحرى ايضاً نشاطات واهداف دول اخرى من بينها الصين وإيران. خلص التقرير الى ان ترامب شخص "لا يمكن استقراء تصرفاته" من وجهة نظر بكين وطهران، وانهما لذلك تتطلعان الى فوز المرشح الديمقراطي "جو بايدن".
لم يكن في أي من تلك التحليلات ما يثير الاستغراب او الدهشة، ولكن تقارير الاخبار ومقالات الرأي في وسائل الاعلام الكبرى تغافلت عن النقطة الأخيرة، او ذكرتها على اعتبارها "مجرد تفضيل" غير مصحوب بأية محاولات من جانب الحكومتين الصينية والإيرانية، في حين ركز الخبراء والتقارير بشكل مكثف على ان التحليل الجديد هو احدث تأكيد على ان موسكو تلجأ الى خطوات فعّالة لضمان اعادة انتخاب ترامب. ففي مقابلة مع احدى الشبكات التلفزيونية أكدت "نانسي بيلوسي" رئيسة مجلس النواب أن الروس يعملون بنشاط على مدار الساعة لسبعة ايام في الاسبوع من اجل التأثير في مسار الانتخابات.
إلا ان هذا التمييز بين "الاجراءات الروسية النشطة" و"التفضيل الصيني المجرد" لا ينسجمان مع الواقع. يقول "وليام إيفانينا" مدير "المركز القومي للأمن السيبراني" أن الصين توسع مساعيها للتأثير استباقاً لانتخابات تشرين الثاني 2020 وتشكيل المناخ السياسي في الولايات المتحدة والضغط على السياسيين الذين تعدهم معارضين لمصالحها. كذلك يؤكد تقرير آخر ان القنصلية الصينية في مدينة هيوستن، التي أمرت ادارة ترامب بإغلاقها في تموز2020، لم تكن مجرد مركز للتجسس الالكتروني بل كانت تقود ايضاً عملية تستهدف تشخيص العناصر الذين يمكن تجنيدهم لصالحها اثناء تظاهرات "حياة السود تهم". بل ان هناك مزاعم تفيد بأن القنصلية كانت تزود الناشطين باشرطة فيديو تتضمن توجيهات بأساليب العمل التنظيمي لمثل هذه التظاهرات.
رغم هذا يواصل زعماء الحزب الديمقراطي وكبار الشخصيات الاعلامية التقليل من أهمية آثار ما تتوصل اليه الاوساط المخابراتية بشأن سلوكيات بكين أو يتجاهلونها بالمرة.
مثل هذا التمييز والتباين معناه أن مساعي الصين لحرف نتائج الانتخابات يجب ان تثير قلق الأميركيين أكثر من مساعي الروس، كما ان المسألة تقتضي قدراً أعظم من الواقعية في الامر بمجمله. جميع القوى الكبرى (وحتى بعض القوى دون الكبرى) تبذل المحاولات من اجل تشكيل سياسات أميركا ونهجها، وهذا نابع من كونها اقوى قوة في العالم والأمضى نفوذاً وانها الأمة التي يمكن لقراراتها ان تؤثر بشكل شامل في مصالح اي بلد آخر ورفاهه. على الأميركيين ان يعوا هذه الحقيقة ويحترزوا من محاولات التلاعب الخارجية اياً كان مصدرها.
تيد غالين كاربنتر/عن موقع "ذي ناشنال إنتريست"