لم يكن متخيل البحر شيئاً ذا أهمية في القصة العراقية إلا على نحو معين في قصص البحارة القادمين من البحار البعيدة، والتي تلقي بهم الأنواء في ضفاف شط العرب حتى استحالت مفردة البحر ومحمولها اللامتناهي الى إختزال أفكار وبناء صور في شرود الحكايات البحرية العائدة الى البصرة من فنارات قصية، تلملم شخصياتها وامكنتها واشياءها في كيانية مكانية محدثة، استطاع عدد من القاصين البصريين تشكيلها وعلى رأسهم الراحل باسم الشريف.. وخاصة في قصته المعروفة " مقبرة السفن".
تمت استعارة السفن واسمائها لتكون معبرة عن صورة البحر العميق، بحرنا التسعيني الهائج في علب الشقاءات الهائلة، وكلما ترسو مقدماتها وحيازمها في فضاء ضيق، عائدة من مياه " مترامية الأطراف"، تبدأ باستعادة فرضية البحر اللامتناهي والتعبير عن دلالة نصية جديدة.
تستعير حطام المراكب في تركيبة مزجية، تصدى لها الراحل باسم بزخرفة الكتابة عن ميناء النهر فما كانت قصتة "مقبرة السفن" سوى مثال في تتبع الأثر الواضح للحطام الهائل من قوة الانسان، ومشهد السفن العاطلة في مرأبها الكبير قد يوحي باليأس والهزيمة غير انه يستوحي منبعا عظيما وجليلا للتخطي والاستعادة في الفن القصصي.
كان القص العراقي لا يعود بهيكل سمكة كبيرة كما عند شيخ البحر ولكنه يستعيد حطام السفن ليبدأ تسلق طوفانه الجديد.
رحل القاص باسم الشريف، حاملا ثيمة البحر في زخرف ميناء النهر، كأنه العائد الى مياهه القصصية الهادئة وصوره الراسخة عن شقاءات البحارة الذاهبين في اهاب الناس خارج الضفاف فسلاما ايها الاخ العزيز ، سلام على المياه العميقة التي عدت اليها من حطام جليل.
سلام على روحك النبيلة ترفرف مثل طيور فوق اشرعتك الساكنة.