القشّة التي تكسر ظهر الريع

اقتصادية 2020/09/16
...

د. باسم الإبراهيمي
إنَّ وصف الاقتصاد العراقي بالريعي اصبح من البديهيات التي بات يعرفها حتى المواطن البسيط ولم يعد الموضوع مقتصرا على المتخصصين، والاقتصاد الريعي هو حالة اعتماد الدولة على مصدر واحد للريع «للدخل» وغالبا ما يكون مصدرا طبيعيا لا يحتاج الى جهد كبير سواء فكريا او ماديا لانتاجه (مثل النفط والغاز)، ويعد الاقتصادي ادم سمث اول من استعمل هذا المصطلح، بوصفه شكلا من اشكال العوائد المالية وذلك في كتابه «ثروة الامم» الصادر سنة 1776، ولكن اول من استعمل المصطلح بوصفه نمطا اقتصاديا هو المفكر كارل ماركس في كتابه «رأس المال» حيث قال «في الاقتصاد الريعي تقوى علاقات القرابة والعصبية، اما في التشكيلات الاجتماعية الرأسمالية فتسيطر علاقات 
الإنتاج».
في الاقتصاد الريعي فإن الدولة تحصل على عوائد سهلة من دون جهود كبيرة، وهذا يوفر لها فرصة لتعزيز نفقاتها العامة وتنفيذ برامجها الاقتصادية وهذه من الايجابيات، الا أن مخاطر الاقتصاد الريعي كبيرة جدا وربما تفوق حسناته، اذا لم تتم الاستفادة منه، فالعديد من الدول الريعية تعاني من تضخم القطاع العام لديها، والذي تتراجع انتاجيته بسبب البطالة المقنعة فيه، فضلا عن استشراء الفساد المالي والاداري نتيجة ضعف الرقابة، كما يتسم بتذبذب العوائد نتيجة التغيرات، التي تحصل في اسعار السلع الريعية، وبالتالي حالة عدم الاستقرار الاقتصادي في الدول الريعية نتيجة الصدمات الخارجية، كما تتعرض الدول الريعية الى ما يعرف بـ»المرض الهولندي» الذي يتمثل في تراجع انتاجية القطاعات الاخرى، نتيجة اهمالها والتحول عنها نتيجة الاهتمام بالقطاع 
الريعي.
لقد عانت الدول النفطية ومن بينها العراق خلال الازمة الحالية، مشكلة عدم القدرة على تحقيق الاستدامة المالية وبالتالي اللجوء الى الاقتراض، الا أن الحلول قصيرة الاجل لا يمكن أن تعالج اصل المشكلة، وبالتالي المطلوب من اجل معالجة هذه المشكلة بكل ظواهرها التي ذكرناها هو تنويع الاقتصاد، الا ان هذا الهدف يحتاج الى مدة زمنية ليست بالقصيرة ولا يمكن ان تظهر بوادره خلال عمر حكومة واحدة، ومن ثم فان ما تزرعه حكومة ستحصده اخرى وهذا من العوائق السياسية، كما ان بعض المعالجات المطلوب قد تكون صعبة على المواطن وهذا من العوائق الاجتماعية، ولكن في المقابل فان التحديات الاقتصادية التي نواجهها اليوم قد تكون اصعب من أي وقت مضى وهي بحاجة الى حلول طويلة الاجل نحو التنويع، فهل تكون هذه الازمة القشة التي تكسر ظهر 
الريع.