عربة المسرح الجوال

ثقافة 2020/09/18
...

أ.د. باسم الاعسم
 
من أشد حالات القنوط التي تعتري نفس المبدع، شعوره الاليم بعزلته و تخلي الاخر عنه على الرغم من ان ابداعه يصب في صالح الناس و الوطن، من دون اية مصالح شخصية تذكر، فتحل من جراء ذلك، الهجرات و الازمات و الاشكاليات، التي يصعب تفاديها، بسبب افتقار مؤسساتنا السياسية و الثقافية و التربوية و التعليمية الى الخطط التنموية متنوعة المدى، والتي تصب مباشرة في مصلحة التنمية البشرية،اي بناء الانسان وتلك من اقدس المهام و الضرورات 
الملحة.
 
مسارات الخطاب
للفنون - بأشكالها كافة- مساحة مترامية الاطراف من التأثير المباشر ربما يتصدرها المسرح، و هو كذلك، انطلاقا من سحره، وقدرته الهائلة في توجيه مسارات الخطاب، بما يعزز قيمة الخطابات الوعظية والارشادية والجمالية، عندما تتجه بوصلة الخطاب المسرحي صوب الناس، وتتعاظم المهمة أكثر عندما يكون الاطفال غاية الفنان والخطاب معا، لأن مسرح الاطفال يمثل مسرح المثل العليا على حد قول (مارك توين) وهذا مافعله المخرج و الممثل حسين علي صالح، الذي أتى بعربة (بوكس) تفتح في أثناء العرض فتتحول الى مسرح جوال، يقدم عروضه للأطفال، وبجهوده الذاتية الخالصة، إذ لم تدعمه أية مؤسسة تربوية أو تعليمية أو ثقافية، وعلى حد قوله: إن وزارة التربية تتحفظ أو تتمانع لهكذا تجربة توعوية من أن تأخذ مداها ضمن المؤسسة التعليمية، بمعنى إنها تمانع عرض المسرحيات ضمن هذه التجربة لطلبة المدارس، ذلك ما ذكره الفنان (حسين علي صالح ) في لقاء تلفازي عبر قناة (زاكروس) في 29 / 5 / 2020 اذ خنقته الحسرات و الهموم، بعد ان أرقه الاهمال و عدم الدعم لتجربته الفريدة، ضمن فضاءات المسرح العراقي، في حين تلقى دعماً لوجستياً من كندا على حد
قوله. 
وهذه مفارقة مؤسية جدا، اذ إن الاولى أن يتلقى الفنان دعمه من مؤسسات بلده، ذات الصلة خاصة، كيما يطور تجربته، ويوسع مديات خطواته، لتحقيق أهدافه التربوية والتعليمية و الوعظية، وتلك من أسمى غايات المسرح التربوي والتعليمي، مع يقيننا ان الدعم المعنوي الذي لا يكلف شيئا، يضاعف عن جهد الفنان، لكنه يحسن انتاجه، ويعزز تجربته، فيجعلها ذات آفاق أكثر رحابة، لكن حتى هذا النمط من الدعم مفقود البتة، وهذا جانب من الازمة. 
و مما يحسب لصالح المخرج حسين علي صالح، تقديمه العديد من العروض المسرحية الجادة والهادفة، عبر هذا المسرح المتنقل، فقدم في مخيمات النازحين و يالها من خطوة رائدة ومباركة وجريئة، وفي أماكن أخرى مثل معرض الكتاب و حسب، موضوعات متنوعة، تحاكي مشكلات الناس، وتمتعهم عبر عروض مسرحية، طافحة الجمال والفن والمتعة، وللأطفال 
خاصة. 
فائدة تربوية
اننا نلفت أنظار وزارة الثقافة ومؤسساتها المعنية بالطفل، مثل دار ثقافة ألطفل، ألا تتوانى في دعم هذه التجربة الريادية الهادفة والملتزمة، ولعل تأسيس هيئة خاصة بالطفل والطفولة تابعة لرئاسة الوزراء من قبل وزارة الثقافة، يمثل سابقة انسانية مباركة، تلم شمل المخرجين والمؤلفين و الممثلين المعنيين بمسرح الاطفال، بقصد تعليم الاطفال وتوجيههم الوجهة الاجتماعية والتربوية و الاخلاقية السليمة، بوصفهم رجالات المستقبل، ولا أحسب أن تنفيذ هذا الهدف عسير على التحقق، لا سيما أن أطفالنا في مسيس الحاجة الى التوعية والارشاد والمتعة، بما يبعدهم عن الالعاب الضارة و السلوكيات غير السوية، كالعنف، والتسول، والتسرب، وأحسب أن الفنان حسين علي صالح لا يبغي شيئا كبيرا، سوى الدعم البسيط على صعيد بعض الادوات الفنية، التي يحتاجها في العروض المسرحية، مثل قطع الديكور والدمى، وبعض قطع الازياء، والاهم منحه الموافقة على تقديم عروضه حيثما يتواجد الاطفال وللسيارة (البوكس) القدرة على الوقوف في أماكن عديدة بقيادة الفنان نفسه، فهي سيارته امتلكها من أمواله الخاصة ووظفها للأطفال، وياله من سلوك تربوي رصين، ومبادرة ذات أهداف نبيلة.
 ان دعم المخرج حسين على صالح المبادر الاول في هذه التجربة التربوية والتعليمية الخلاقة، يعزز المنهج التربوي للمسرح، بما يتوافق مع الاهداف السلوكية والتربوية القويمة للمؤسسات التعليمية والتربوية، وأملنا كبير في أن تتبنى وزارة الثقافة تلك التجربة المسرحية الميدانية ذات الاهداف الانسانية والجمالية والتربوية، ولا احسب ان الامر محال، ففي الامارات رفعوا شعار (من الصحراء إلى الفضاء ) فاخترقوا الفضاء وأسسوا المسرح الصحراوي لدورات متعددة مما لا يخطر ببال أحد.