عصف جديد ينال العملية السياسية من داخلها ومن القوى الشعبية العراقية، عقب التغييرات التنفيذية التي شرع رئيس الحكومة السيد مصطفى الكاظمي بإجرائها، وربما جعلت الأمور تتجه نحو خلق مزاج عام منزعج وقلق أبتعد كثيرا عن رؤى الاستقرار الفكري المجتمعي، بل زاد من عدد المتخوفين من حالة الارباك الحاصل بجهاز الدولة.
التغييرات التنفيذية في تبديل عدد من رؤساء الهيئات وتعيين وكلاء وزراء واسناد مناصب امنية رفيعة، وصفها السيد رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي بأنها تندرج في اطار تنشيط العمل بجهاز الدولة العراقية، وان الاختيار جاء وفق معايير التخصص والكفاءة والنزاهة، لكننا نخضع هذه الجزئية من تبريرات رئيس الحكومة ونتحدث في إطار ما يعبر عنه الشارع العراقي بقواه الشعبية المتخوفة، وكذلك القوى السياسية والنخب العلمية والثقافية الوطنية التي تبحث عن تحقيق إصلاح اداري حقيقي يحقق إرادة الشعب في تحقيق مخرج إيجابي يفضي الى الاستقرار والعبور من مرحلة الركود والتراجع منذ 17 عاما، والتأسيس لمرحلة جديدة من التقدم والنهوض في الميادين الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية، نتحدث بأن الكثير من الشخصيات التي أسندت لها مناصب سواء في هذه القائمة الأخيرة أو القوام التي سبقتها، نعم ربما فيها من يتسم بالنزاهة ولكنه يفتقر للمهنية والتخصص ولا يحسن فن الإدارة، وبعض آخر منها ربما لديه التخصص ولكنه يفتقر لمعايير النزاهة وحسن الإدارة والشعور بالمصلحة الوطنية، وفي جانب ثالث منها من يفتقر للنزاهة والمهنية والكفاء والإدارة ولم يعمل في موقعه الجديد ولا ساعة عمل، وحتى مستواه الدراسي وتخصصه العلمي بعيدا عن منصبه الذي اسند له، ومن وحي ما يعبر عنه الرافضون لهذه التعيينات وغيرها، فأن التفسير المدعوم بمعطيات الواقع، يشير الى ان الكاظمي عند اجرائه التعيينات للمواقع الإدارية العليا خضع لمزاج الكتل والأحزاب السياسية، بدليل عند استعراض الأسماء فإنها جميعا تنتسب لتيارات وقوى سياسية معروفة وبعضها من تبوأ اكثر من موقع اداري سابقا، وسجلت عليه مؤشرات سلبية خطيرة في مسؤوليته الوظيفيَّة.
ولعلَّ من فلسفة إدارة الدولة ان الجهاز التنفيذي باستثناء منصب الوزير الذي ينبغي أيضا أن يراعي المؤهل العلمي مع تخصص وزارته، لكنه بالتوصيف العام يحسب على أنه منصب سياسي، وبخلاف ذلك فإن مناصب وكيل الوزارة والمدير العام ومدير القسم كلها مناصب مهنية متخصصة لا علاقة لها البتة بالقوى والتيارات السياسية، وهذه تمثل عقل الدولة المهني من الناحية الفنية، بل هذه هي النقطة المهمة التي ينبغي أنْ تجعل رئيس الحكومة يتعامل معها بحكم المسؤولية الوظيفية المجردة من أي توجه سياسي، لاسيما في بلد يعاني القلق في مؤسساته، ذلك الحل الوحيد الذي يسهم في إنجاح مسيرة الدولة، لكن وفق التوجهات الجديدة للسيد رئيس الحكومة، فإن الرؤية الواضحة بالتعامل مع المناصب الوظيفية العليا المذكورة تجعل الجميع متخوفا من توجهاته بإدارة الدولة، لأنَّ الدولة انتقلت من مفهوم الوظيفة المهنية الى مفهوم تسييس الوظيفة، وهذا أمر يجعل الحكومة الجديدة لا تختلف عن سابقاتها، بل تمثل مرحلة لإكمال ما بدأت به الحكومات السابقة من خطوات تراعي مصلحة الأحزاب على حساب المصلحة العليا للبلد والتي أضحت الى جعل العراق من البلدان المصنفة في عداد الدول الفاشلة.
* أكاديمي وكاتب