مدننا الجرداء!

آراء 2020/09/20
...

 علي شايع
 
تتعرض بغداد ومدنٌ أخرى الى حملات قطع جائر للأشجار. أمس طالعت خبراً محزناً عن جور المتجاوزين الساعين خلف المنفعة الشخصيَّة، وإعلان أمانة بغداد عزمها ردعهم ومقاضاتهم. فللعراق قوانين منذ 1955 تخص المشاجر والمشاتل تضمن تأمين خضرة المدينة والحفاظ عليها، ومذ ذاك كان ببغداد الى جانب مياه الإسالة خط أنابيب يصل الى جميع الشوارع والبيوت، ينقل مياه دجلة الخاصة بسقي الأشجار.
من الطريف أنْ تجد أسلاف هؤلاء المخالفين، أشد حماساً لحماية الأشجار في المدن خاصة، فلحظة تطالع كتاباً لمستشرق يتحدث عن بغداد قبل 200 سنة مثلاً، ستكتشف سعي الأهالي للتشجير ومنع القطع الجائر، ومعاونتهم السلطات حدّ ازدهار العاصمة كأفضل من سابق زمانها، كما يصفُ صاحب كتاب (رحلة ريج في العراق).
وقبل قرونٍ بعيدة وصل أهل بغداد الأندلس، وأخذوا أسماء مدنهم وحواضرهم، وحملوا معهم النخل وبعض الأشجار كجزءٍ حيّ لحضارة ما زالت ماثلة في رصافة قرطبة ومدن عديدة غيرها.
المدن المتقدمة ترقِّمُ الأشجار وتحفظ معلوماتها ببلدية كل مدينة، وما يعمَّر منها يُحتفى به كإرثٍ إنساني يُعلي من صورة المكان التاريخيَّة ووعي وفكر أهله الماضين. منذ سنوات استحدثت فقرة جديدة - سعياً لتكييف الأرض مع زيادة السكان والتغيّر المناخي- توصي بزراعة شجرة لكلّ مولود، تسمى باسمه، ومكانها يؤشر في الخارطة. بالطبع، الجهل ومن في ركبه سيعدون المشروع طقساً وثنياً، فيتكرّر ما أقدم عليه عصابات داعش الإرهابية بسوريا والعراق من قطع لأشجار بلوط يفوق عمرها 150 عاماً؛ بحجة عبادتها والغلو بشأنها!، بحسب تقرير لصحيفة الإندبندنت البريطانيَّة.
أفزعُ من إرهاب آخر؛ مستذكراً مشهد لوحات إعلانية لعيادات أطباء مدينة الديوانية، تفوق أعداد أشجار صوب المدينة ذاك، بعشرات المرات.. ألواح يابسة لو انها أورقت لتعافى المرضى تحت أفيائها!.