التطبيع عمل سياسي يعمل على جلب مصلحة ودرء مفسدة، والتطبيع هو جعل العلاقات طبيعية، والتطبيع بين دولتين متخاصمتين يتطلب جمع الأطراف المعنية في الدولتين.
ولا حرج من التطبيع لكونه الفن الممكن في جلب المصالح القومية وعدم التفريط في بيضة الدولة وعدم ضياع الحقوق القومية للبلد.
لكن إذا كان التطبيع لأجل التطبيع فقط مع ضياع الحقوق، فإنه انصياع واذعان من دون مقابل وانبطاح من دون هدف.
وإذا كان التطبيع لأجل حيلة أو التفاف وحرب كر وفر، فإنه مشروع لكن دون المساس بجوهرة التاج القومي لتلك الأمة.
التطبيع بين الدول العربية
من المنطق أن تطبع الدول العربية في ما بينها اولا ثم بعدها تطبع مع دول المنطقة والمفروض نشهد على ذلك تطبيع مصر مع السودان أو الإمارات مع اليمن أو السعودية والإمارات والبحرين من جهة وقطر من جهة أخرى ودول الخليج مع سوريا والشواهد كثيرة في الأحداث التي شهدها هذا القرن بين المقاطعات العربية لدول عربية أخرى، ولعل من أهمها في الماضي مقاطعة الدول العربية للعراق إبان حكم التسعينيات.
إنَّ من شمول العقل السليم أن تطبع مع الذين لهم قاسم مشترك معك، فكيف بتاريخك وعرقك والقواسم الأخرى؟!
يربطنا عربياً قومية ودين، وأمة لها جذور تاريخية نادرا تجدها في أمم أخرى، وتعظيم تلك الجهود لأجل اقتصاد مشترك أو أهداف سياسية موحدة هو من نتاج تلك الأمة.
والعقل السليم أيضا يطبع لأجل مصلحة حقيقية، ترمي بظلالها على البلد المطبع، فأين المصلحة الحقيقية التي جلبتها تلك البلدان لاوطانهم أو للوطن العربي؟!
ناهيك أن قضية التطبيع ليست قضية عربية فحسب، بل هي قضية عربية إسلامية.
وكان من المفروض أن تجتمع الدول العربية والإسلامية في هذه القضية لأنها قضية أمتين، وأفراد دولة عن الأمة هذه تفريط بحقوق الآخرين وكذلك عدم جلوس الأطراف المعنية وأصحاب الأرض في التطبيع هو مخالفة عرفية وقانونية وهم الفلسطينيون الذين لم يدعوهم إلى الاتفاق، بل تم تهديدهم وتبديلهم وتفريق جموعهم.
التطبيع من مصدر قوة
اول من طبع مع إسرائيل هو الرئيس السابق أنور السادات في سنة 1978 وهي اتفاقية كامب ديفيد المتممة للاتفاقية لسنة 1979.
ووقع عن عن الجانب المصري رئيس جمهورية مصر العربية محمد أنور السادات و عن الجانب الإسرائيلي رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن، وشهد التوقيع رئيس الولايات المتحدة الأميركية جيمي كارتر.
إنَّ السادات كان داهية وقبل بلوغ مرحلة الاتفاق قام بجولات واستشارات عربية وإسلامية وعالمية أيضا مع الدول، لأجل استشارة تلك الدول حول التطبيع والاتفاق والجلوس مع إسرائيل.
كان أنور السادات اتخذ قرار زيارة إسرائيل بعد تفكير طويل، حيث قام السادات بزيارة رومانيا وإيران والسعودية قبل الزيارة وصرح في خطاب له أمام مجلس الشعب المصري انه مستعد أن يذهب اليهم في إسرائيل وقام أيضا بزيارة سوريا على خلافه معهم، والمتتبع لتحرك السادات قبل اتخاذ قرار التطبيع يجد انه زار المحيط العربي والإسلامي والدولي وقبل ذلك صرح لشعبه وقيادته.
مع احترامي لرأي المعترضين على السادات وقناعتي التاريخية انه قرار خاطئ لكن لو قيس باليوم لنجد أن السادات قديس بالنسبة لهؤلاء.
هل يوجد اليوم سادات إماراتي أو بحريني لأجل خوض اتفاق تطبيع كامب ديفيد جديد.؟!
من القياس مع الفارق للمصالح التي حققها السادات سابقا هي إرجاع نصف سيناء عمليا وعسكريا ومنها شرم الشيخ ودهب وجزر تيران والصنافير.
وأصبحت من ضمن مصر ومحررة إداريا وعسكريا من دون قطرة دم واحدة أو جهد.
فأين التطبيع اليوم عن الغد مع بشاعة الفعلين في التاريخ.
وكجزء من الاتفاق، بدأت الولايات المتحدة تقديم المساعدات الاقتصادية والعسكرية لمصر، والمساندة السياسية لحكوماتها اللاحقة. ومنذ اتفاقات كامب ديفيد للسلام في العام 1978 حتى العام 2000، قامت الولايات المتحدة بتقديم الدعم للقوات المسلحة المصرية بمساعدة تزيد قيمتها على 38 مليار دولار. وتتلقى مصر نحو 1.3 مليار دولار سنويا وهذه أهداف حققتها مصر وبالمقارنة مع الأهداف التي ستحققها اليوم، فلا يوجد قياس لمستوى التطبيع، إنْ كان فيه مصلحة.