في طاووس الأسئلة ونزيفها

ثقافة 2020/09/20
...

 عمار أحمد 
 
 لم تكن مهمتي في تقديم مجموعة الشاعر مصطفى الشيخ سهلة أبدا، وذلك يعود إلى أسباب عدة أهمها: أني لم أقدم أحدا من قبل، ولم يكن يخطر ببالي أن يطلب مني أحد ذلك؛ لأني لست معنيا بالنقد الشعري كما يعنى به من انقطعوا لنقده، والسبب الثاني هو أن مصطفى الشيخ صديقي، وهذا ما جعلني أخشى الوقوع في مطب النقد الـ (التجاملي) هكذا أسمي نقد الاصدقاء بعضهم لبعض، وكلنا نعرف أي تزوير للمشهد في مثل هذه المجاملات، أما السبب الثالث فهو أن مصطفى الشيخ اختار فضاء شعريا حرص فيه على أن ينأى بنفسه عن التشابه والتكرار.
إن مصطفى الشيخ في طاووسهِ هذا ( طاووس الدهليز الأحمر ) يعيش تجربة تقوم على مبدأ التوليد فالفكرة تطرح نفسها ثم تنجب فكرة تتفاعل مع سابقتها، لتنتج أخرى، هي إذن جدلية الذات الشاعرة الوثابة التي ظلت تروم الوصول إلى الأعلى والأوسع.
مصطفى الشيخ يتحرك بحرية في هذه المجموعة حرية المتضاد مع نفسه، يصرخ ويهمس، يرتفع إلى أعالي الصورة وهو يغوص في الوقت نفسه في أعماق الفكرة، يخرج من الإطار العام للكتابة الشعرية داخلا في الشعور الإنساني العميق الدائب الصيرورة. 
يغضب، يفرح يبكي يضحك، فيكاد يعطى المشهد الشعري الخاص به اكتماله.
في هذه المجموعة كان الشيخ مسكونا في تشظية الفكرة الشعرية تلك اللحظة التي يسميها الفيلسوف العربي (د. زكي نجيب محمود) اللحظة المسحورة يلتقطها لينثر أجزاءها بجمالية الشاعر الذي اختمرت تجربته صياغة ورؤية، فقد تعددت زوايا نظره، إلى المحمولات الإنسانية، فحين ينظر من جوهر الحالة وحينا من جانبها، وأحيانا كثيرة من داخله هو، هادفا لسحبها إلى فضاء تكوينه الثقافي والنفسي والاجتماعي 
والفكري.
 أحسب أن معرفة مصطفى الشيخ بأكثر من لغة( الكردية، العربية، الإنجليزية، الفارسية، التركية) قد أسهمت في إنضاج تجربته؛ لأنه استطاع أن يغني موهبته بروافد عديدة، فالاطلاع على التجارب الأدبية العالمية، بلغاتها له أثره البالغ، لا سيما إذا كان الشاعر (او الأديب.. الفنان على نحو عام ) ذا موهبة عالية، وحساسية فنية طيبة.
ربما يرى القارئ ما رأيت من حيث الاعتناء بالموسيقى الداخلية في هذه النصوص الشعرية، إن ذائقة مصطفى الشيخ الموسيقية العامة قد أسهمت إسهامها الكبير في إغناء نصوصه بإيقاعاتها وموسيقى 
حروفها.
أحسب أن قراء مصطفى سيرصدون رغبته العارمة بالإدهاش، والاعتماد على المعادلات الموضوعية غير التقليدية، وهل يكون الشعر شعرا إذا ما غابت عنه هذه البنية؟! ولعبة الإدهاش ( الفانتازيا ) ربما تتحول إلى مطب يسقط فيه الشاعر سقوطا على الرأس. إنها السهل الممتنع الخطير.