العاني يسير على جمر الزمان

ثقافة 2020/09/20
...

عبد الحسن علي الغرابي
 
آخر منجز صدر للكاتب الساخر حسن العاني الموسوم "بانتظار الملك " طبعة انيقة بغلاف جميل صادر عن شبكة الاعلام العراقي احتوى الكتاب 240 صفحة وتضمن 100 مقالة مختلفة، متنوعة، غايته هي أن يضع يده على كل ظل من ظلالها وكل تلوين من تلويناتها، وهذا ما اعتدناه في كل كتاباته الواقعية يعالج الكاتب بمرحه وسخريته في كل مكان الحقيقة التي تعرض نفسها عليه، وبقدرته المعروفة يقع كل شيء في موقعه الخاص وقوعا مضبوطا منتظما.
يجعلنا العاني دائما حاملين انطباع بأن كلماته تفعل اكثر مما تقوله، ويمكن ان يكون من بين الأوائل الذين يشخصوا امراض السلطة والحكم المستبد ويشخص ما يجري حوله من معاناة المواطنين، والعاني من بين اولئك الذين يعرفون أفضل من غيرهم كيف يقولون نعم بينما هم في الحقيقة يعنون لا .
يغالب البعض الشك بأن عنوان الكتاب "بانتظار الملك" يعني ان الملك سيعود ويعود النظام بعد اعلان النظام الجمهوري بثورة 14 تموز ويصفها عندما كان المؤلف يافعا وفي ص 38 دلالة قاطعة ان الملك رحل وليس هناك من ينتظر عودته .
 
اللعب مع الكبار
حذرتني امي وأنا صغير أن لا العب مع الكبار، فلتكن مغامرة عذرا من أمي ومن اللعب مع الكبير حسن العاني فهو كاتب محير ملغز وتنبؤي على نحو غريب ولم يكن محايدا على الدوام، في بلد مشحون بالتهديدات السرية، فكان من العسير عليه أن يراقب نفسه (ان العين لا تستطيع ان ترى نفسها) لذا يلجأ الى الطريقة الساخرة المشحونة سخريتها بالتعارض والتناقض 
والمفارقة، والغريب أن قلم العاني كان يشكل خطرا على أمن
الدولة.
الآن وبرغبة معتقة اود ان أشن هجوما دون أن أخشى نتائجه أقول للكاتب الذي لا يستحي من طول لسان قلمه السليط، فهو يُلفح نفسه بالغموض والسرية، ويحاول أن يظل مُلّغزاً، انا أعلم علم اليقين انه لا يستطيع المواجهة ولا القدرة على رد أي طعنة تأتي من الخلف، فهو ليس ذلك الفارس الهمام المسنود بعشيرة او طائفة ولا منتميا لحزب سياسي يحميه، والمثل الشعبي يقول: "من تلدغه الحية يخاف من جرت الحبل" هل نسيت اللدغة والطعنة القاسية التي أقعدتك ملوما محسورا، والتي جاءت في أحلك الظروف وبضنك العيش أيام وسنين الحصار في أواخر تسعينات القرن المنصرم عندما أفرزك 
القائد الضرورة أنت والمرحوم الكاتب والصحفي حاتم حسن بمنعك من الكتابة والنشر وحرمانك من المكافأة التشجيعية التي كانت تصرف 
للكتاب .
الشهيد الحي
أنا لست متشفياً ولا شامتاً بل مشفق لأقول: رحمك من لا يعرف الرحمة وإلا يا حسن لكنت الآن في خبر كان ونترحم على شهيد الكلمة الملغزة (الحسجه) فهل تتعظ ايها الشهيد الحي، هل تبقى تسير على جمر الزمان دون حساب العواقب؟
في ص 21 وصايا ثمينة ـ 1ـ لا تطالب بالفدرالية ولا تقف ضدها، لا تكن من أنصار الديمقراطية، ولا من دعاة الدكتاتورية، بل كن ديمقراطياً في اللسان، دكتاتورياً في السلوك .
2ـ  اذا كنت تقود مركبتك، ومعك زعيمان متنفذان، احدهما يساري والآخر يميني، وصادفك تقاطع فأعطِ اشارة الى اليسار وانعطف لليمين.
3 ـ لا تذهب الى أيّ دور للعبادة، فقد يتهمونك بأنك من جماعة الزرقاوي ولا تدع أحدا يعرف انك احتسيت كأسا من البيرة فيتهمونك بالكفر، ننصحك أن تصلي في غرفة مظلمة وان تحتسي البيرة 
الاسلامية .
4 ـ لا تعمل في العلن مع الحكومة أو المعارضة، بل اعمل مع الاثنين في السر .
5 ـ .... 6 ... 7 ...
8 ـ لكي لا تصاب بالكآبة ننصحك بعدم قراءة هذه الوصايا، او أية وصايا اخرى حتى لو كانت صادرة من السيد الرئيس حفظه الله ورعاه؛
في الختام أبارك للأستاذ حسن العاني على صدور هذا المنجز القيم المهم الذي جمع 100 مقالة صباحية ممتعة تبهر القارئ بسلاسة الاسلوب وغزارة رصيده اللغوي واسلوبه الحكائي 
الساحر .