التطبيع بوصفه تراجعاً

آراء 2020/09/21
...

 علي سعدون 
لا يمكن فهم موضوع التطبيع إلّا من خلال قراءة النسق السياسي العربي خلال الاربعين عاما الماضية، وعلى وجه التحديد ابتداءً من اتفاقية السلام بين مصر والكيان الصهيوني قبل اربعة عقود. وهي قراءة ستشير الى امكانية التراجع عن اعتبار - قضية فلسطين - مركزية ومحورية في طبيعة العلاقات العربية مع محيطها الاقليمي والدولي. وهذا التوصيف سيشبه الديباجة القديمة لمانشيتات الصحافة على مدى تلك العقود التي ترتفع مناسيب صوتها كلما اشتد ذلك الصراع الكارثي او انخفض بسبب من المسافة الباردة التي تنشأ عادة من طول وتكرار ارهاصات التصارع الفلسطيني الاسرائيلي باليوميات التي نعرفها عن الفعل ورد الفعل بين الطرفين. 
أقول بقراءة النسق السياسي الذي جرت في ضوئه تداعيات تلك الازمة، وهو نسق يعيد الى الاذهان نوع الانظمة العربية الحاكمة ومدى قدرتها على خوض الصراع وتنميته، من دون ان يكون بمقدورها وضع الآلية الستراتيجية التي تعمل على حسمه وعدم تركه مفتوحا وممتدا بنزيف طويل عانت بسببه شعوب المنطقة الويلات الكثيرة. أعني ان هذه الانظمة غير قادرة على تنمية ذلك الصراع بسبب ما تعانيه من غياب للنظرة العميقة لإدارة الاوضاع السياسية التي يتحكم بها الكبار في المحافل الدولية وغالبا ما تشعر هي بالدونية حيالها، فضلا عن انشغالها بأوضاعها الداخلية التي تشي دائما بعدم رضا او مقبولية من شعوبها، فهي غالبا ما تكون انظمة منقوصة السيادة او انظمة استبدادية تنشغل كثيرا في صيانة نظامها والمحافظة عليه من السقوط. ولنا في ما يسمى بالربيع العربي مثال صارخ على تداعي تلك الانظمة وزوالها بآثار غاية في الخطورة على شعوبها.  وستنتهي هذه القراءة بأن الانظمة العربية غير القادرة على المواجهة السياسية والفاقدة لشرعيتها، ستخلص الى نوع من اليأس والنكوص والتراجع في فهمها لذلك الصراع الذي بدت أمامه بكامل عزلتها وضعفها واهتزازها المزمن الذي يشير بأقل تقدير الى عدم نضجها السياسي، ومن ثم عدم قدرتها على المواجهة. الامر الذي جعلها مرتبكة باتخاذ قرارات تمثل بنية التراجع السياسي عن القضايا المصيرية وفي مقدمتها قضية فلسطين.  إن تراجعا كهذا الذي يجري اليوم في معظم القضايا التي تعبث بمصير محيطنا العربي، ستقود بالنتيجة الى اعادة حسابات مستقبل المنطقة برمتها، وهو مستقبل غير واضح المعالم وغير جدير بالثقة التي تجعل من اقتصادها قويا وصلدا وذا قدرة على تخطي الصعاب والكوارث. ومن ثم تراكم الخسارات التي سيدفع المواطن البسيط ثمنها من القلق على حياته ومستقبله وتطلعاته في الحياة الحرة الكريمة.