عقــــلٌ بكــــر

ثقافة 2020/09/23
...

ميرفت الخزاعي 
 
 
 
من قال بأن اليأس سيئٌ دائماً..
قد نحتاج لبعضه في الحياة كاليأس من علاقة فقدت حرارتها واصابها التلف والعطب والشلل، فظلت طافية على السطح، نحاول إنعاشها بالكلمات الروتينية المملة كواجبٍ ثقيل فقط لأننا لا نريد ان نبدو خاسرين امام الناس او امام أنفسنا.
كنتُ من اصحاب الامل بل من صناعه ومانحيه، لا افقده حتى بعد سلسلة من الهزائم والخسارات المتوالية والمتكررة، الخوف والقلق من الفقد؛ هاجسي المحبط المثير. 
استدعينا الجدة بعد ان فشلت محاولاتنا للتخلص من بذرة زرعها عابر مجهول في رحم نجمة ابنةُ خالتي، جعلناها تبتلع اقراصا من الاسبرين واكوابا من الخروع وحشونا جوفها بالتحاميل كالبطة لكنه أصر على الخروج لهذا العالم.
- فعلتُ ما في وسعي..
رمت المرأة ذات المؤخرة البدينة زوج الكفوف الشفافة من يديها .
- اتركاها، بالكاد تستطيع التقاط انفاسها، اجلستُ نجمة وخلعتُ عنها الدشداشة 
الغارقة بالعرق والدماء .
- ستُدفن حية مع فضيحتها. 
- خالة، ما هي الا مختلة ولا على المجنون حرج 
- انقعي حبات من الحنظل في الماء 
- ستقضين عليها 
- لو فعلتها المرة الماضية لما عادت إلينا بهم وغم جديدين .
أبشرٌ هذا الذي تدني نفسه على مخلوقٍ مثلها، ألم يخف الله فيها، ظلت عيناها تتقلبان يمينا وشمالا، هل كانت نجمة تبحث عن رأفة لم يعد لها أثر في قلوبنا او ارواحنا .
مطاردتها للأطفال وقذفها المارة بالحجارة وبكل ما قد تصادفه تضطرنا لربطها إلى جذع نخلة تتوسط صحن الدار. 
لا اعلم ان كنا نخاف على الناس منها ام عليها ؟!
أربضُ الى جوارها اذ لا يمكنني تركها وحدها، كلما خرجت خالتي لشراء ما نحتاج اليه من مؤنٍ وأغراض.
يكادُ الملل يقتلني، أجلسُ فوق عتبة الباب وأتركه منفرجا قليلا لتمد نجمة بصرها، احيانا تستغلُ اغفاءتي فتحاولُ فك الحبل او قطعه بأسنانها، نخرج للبحث عنها فنجدها تهيم حتى مغيب الشمس في بساتين النخيل.
قيدتُ يديها فيما اخذت خالتي تسقيها منقوع الحنظل، لا ذنب لها كي تتجرع مُرّ الحياة وحدها، لقد تركتُ باب الحوش منفرجا قليلا لأُسري ناظريها فأخذت طريقها * لكاع السورة سربا. 
ألم احذركِ من اجتياز * الطوفة فخلفها * طناطل بشرية تجذبهم رائحةُ البراءة وتغريهم الضحكات العفوية .
تلوت من شدة الألم وتمرغت على الأرض وحثتِ التراب على وجهها، طلبتُ منها شربه، تجرعت مرارته مع دموعها.
تسمرتْ نظراتها على الباب وكأنها تنتظر مخلصها، لا مخلصٌ لكِ من العذاب، نحن القضاة والشهود ونحن المنفذون. 
تقطعت امعاؤها ثم اطلقتْ صرخة فاضت معها روحها.