الحضور الدائم للعشيرة

آراء 2020/09/27
...

 حكمت البخاتي  
ظلت العشيرة في العراق تمارس أدواراً بين الاختفاء والظهور المهيمن في ظل تفاوت أوضاع الدولة بين القوة والضعف، وهو تفاوت شكّل سمة رئيسة في الدولة العراقية، ما أفسح المجال دائما للعشيرة في الحضور الاجتماعي والمشاركة الفاعلة في الحدث السياسي العراقي، ولم تكن تلك الحالة طارئة على التكوين الاجتماعي ذات الصلة بالسياسي في العراق، ومراجعة دقيقة في تاريخ العراق السياسي القديم والحديث يكشف عن المشاركة العشائرية في مراحل التأسيس المتعاقبة للدولة في العراق، سواء في تاريخه الاسلامي أو في تاريخه الحديث ذي الصبغة العلمانية. هذه المشاركة غير القابلة للنفي والدور المناط بالعشيرة في تأسيسات الدولة العراقية وتوقعات انبثاقاتها المفاجئة، حيث أرسى وجودها تقاليد ودلالات، لها حيوزها الاجتماعية والسياسية الحذرة بالنسبة للدولة وأنظمة الحكم فيها، وعبر معاملة تلك الحيوزات الاجتماعية والثقافية، بل وحتى المكانية لمكانة العشيرة في العراق.
إنَّ امتدادات العشيرة التاريخية والاجتماعية في العراق تركت بصماتها الواضحة على الشخصية العراقية، وكانت تلك البصمات تشكّل مظاهر لها تأثيراتها واشكالاتها في بناءات الدولة الحديثة في العراق، التي بدأت محاولاتها في العقد الثاني من القرن العشرين، حيث مرت عليها مئة عام، دون أن تبلغ غايتها القصوى في انجاز ذاتها، مما سمح ببقاء وامتداد البيئة التقليدية والمناسبة للعشيرة، لا سيما مع وجود مبررات تبدو مقبولة وواقعية بالنسبة للرؤية الاجتماعية العراقية في حضور العشيرة في تشكيلها، بوصفها مظلة احتماء للفرد العراقي في ظل انسحابات الدولة المتكررة وافتقادها القدرة على تطبيق القانون. وما يبرر ايضا حضور العشيرة الدائم في العراق هو العنصر الثقافي الموروث والمؤسس للاحتفاء بالعشيرة في الذهنية العراقية، والذي يشكل البديل الجاهز عن انتماءات الاغتراب التي فرضتها الحداثة في المجتمعات التقليدية، ويشكل أيضا مصدرا مهما في تنمية الحس الاجتماعي بالحضور الشخصي للفرد العراقي المستمد من الحيوزات الاجتماعية والثقافية للعشيرة في ظهورها وتفاخرها وراياتها ومهوالها وشعرائها وسلالات نسبها المعرقة في الأصالة ونقاء الدم، وهي ترميزات فاعلة ومؤثرة، ففي خرائطها ومناخاتها تتشكل الشخصية العشائرية العراقية وهو ما يعني وجودا وحضورا دائمين للعشيرة في العراق.