عصيان الوصايا في تجربة لطفيّة الدليمي

ثقافة 2020/09/27
...

  قحطان جاسم جواد 
صدر عن دار المدى للكاتبة والروائية لطفية الدليمي كتاب بعنوان (عصيان الوصايا) وعنوان فرعي (كاتبة تجوب أقاليم الكتابة) صادر في عام 2019، لكنه لم يوزع في بغداد الا عام 2020، يقع في 285 صفحة من القطع المتوسط. تأطر غلافه الاول بصورة للكاتبة. وهو يتمحور حول ذكريات طفولتها، والكتاب الذين اثروا في حياتها، و وجهة نظرها عن الكتب والروايات التي قرأتها مثل رواية 451 فهرنهايت وان تقرأ لوليتا في طهران، وروايات جين ريز وجان جيونو وغيرهم. 
في محور آخر تتساءل هل ينبغي لكاتب الخيال العلمي ان يكون عالما او حاصلا على شهادة علمية؟، وتجيب من وحي تجربتها:- من المهم للكاتب ان يكون ملما بالمفاهيم العلمية ومصطلحاتها الاساسية حتى يستطيع الغور في قصة من الخيال العلمي. وفي فصل اخر تحدثت عن الافكار التشاؤمية والمستقبل الغامض للانسانية كما في اعمال جورج اوريل و اج. جي ويلز وغيرهما. وتضمن الكتاب اربعة حوارات مهمة أجريت معها، ثم توقفت عن اجراء الحوارات والظهور في الفضائيات او اقامة حفلات توقيع الكتب. وظلت زاهدة في حياتها ومتفرغة للكتابة. وقد تساءلت في مفتتح الكتاب هل الكتابة لعنة؟، كما تقول الروائية كارول اوتس، واجابت ان الكتابة عندها لعنة نبيلة ونعمة للخلاص. وعن طفولتها ونشأتها وحبها للقراءة والكتب تشير: 
هناك في «بهرز»، ولدت يوم السابع من شهر (آذار) عام 1939، (وقد تفوقت في الانشاء المدرسي وتعمق ذلك بعد قراءتي حكايات واساطير الف ليلة وليلة). تميّزت كتاباتها بأنها تعكس الحياة من وجهة نظر ومشاعر المرأة.. لدرجة أن جل شخصياتها الرئيسة والمحورية التي تدور حولها الرواية هي دائماً «أنثى». هذه الكاتبة بالرغم من انها أسهمت في تأسيس العديد من المؤسسات والمجلات الثقافية، وإغنائها المكتبة العربية بأكثر من 75 عملا بين تأليف وترجمة؛ ما زالت تصر على أنها لم تبلغ طموحها الإبداعي بعد، في حياتها هناك ثالوث سيطر على تفكيرها وسلوكها يتكون من الارادة والانضباط والشغف. وقد اغنتها أسفارها وترجمتها للكتب المختصة بفن الرواية والنقد والفلسفة والحوارات مع الروائيين والفلاسفة، وعرفتها على مايجري في عالمنا من مستجدات فكرية وفلسفية وثقافية، فضلا عن اهتمامها بالموسيقى والفن التشكيلي والسينما.
عن طفولتها تقول إنها كانت سعيدة في سنِّي دراستها الاولى متميزة بين اقرانها ومشهود لها ببراعة التعبير والتأليف في اللغة العربية والرسم. كانت سعيدة بمعايير ذاك الزمن، وعلى نحو ما بمعايير النضج . لانها -حسب قولها- كانت محط فخر أهلها والذين زرعوا مصيرها- كانت مع أختها تمثلان آمال الأم والأب في التفوق والوصول الى مراتب حرموا منها. والمدرسة الابتدائية هي التي رسمت خطوط حياتها.  وكان أبوها وأصدقاؤه من اليساريين ممن يملكون مكتبات عامرة، فكان الجميع يرفدون الصبية الصغيرة بالكتب والقصص والمجلات مجلة الهلال وكتاب الهلال والاديب والاداب والرسالة والكتب المترجمة، وكانت أبرز أقرانها في درس الانشاء ما دفع والدها الى تشجيعها بالمزيد من هدايا الكتب والمجلات. وهي التي سددت خطاها في الكتابة وكانت في الصف الرابع تؤلف قصصا مصورة ترسم إحداها في صفحة وتدوّن النصف في الصفحة المقابلة حتى ملأت دفاترها المدرسية بالرسوم والقصص الطفولية. في الثانوية نالت أول جائزة في حياتها حين كتبت بحثا عن رواية لتوفيق الحكيم. ولاتنسى ابدا كتاب «الف ليلة وليلة» الذي شاهدت اوراقه الصفراء القديمة المشبعة برائحة التبغ، في غرفة التبغ التي كان الاهل يمنعون الاطفال من دخولها. 
وكانت بعمر التاسعة. ودخولها كان خلسة. وحين اطلعت على الكتاب وراحت تقرأ بعض صفحاته انشدت اليه والى شهرزاد التي اوقفت ظلم شهريار وقتله للنساء. وهو اول كتاب تأثرت به وصار صديقا لها ترنو اليه وتطالع فيه كلما لاحت لها فرصة لدخول غرفة التبغ الذي يتاجر به زوج خالتها المتدين، وهو عكس والدها الماركسي. 
في تلك اللحظة كانت صورة العالم قد تغيرت في وجدان ابنة التاسعة وتحدد مصير الكاتبة ووعيها وبدأت تتشكل بذور غدها الموصول إلى عالم الخيال بعد اكتشاف كتاب ألف ليلة ومتعة السماع، وامتزجت الحكاية بالموسيقى وسحر الكلمات وارتبطت معرفة خفايا النساء والجنس وحكايات العشق العجيبة بروائح التبغ وأشذاء ماء الورد والزعفران ونقر الدفوف المنبعث من مجالس الدروشة التي يقيمها زوج خالتها المتدين.