كتب الشاعر د.عارف الساعدي مقالا في صحيفة الشرق الأوسط، حمل عنوان «حين تنعزل الذات تنتفخ
القصيدة»؛ وقد استعرض الساعدي قصائد عراقية بوصفها منتفخة لذوات منعزلة، وكان الساعدي موضوعيا جدا إذ لم يستثنِ ذاته من العزلة وقصيدته من الانتفاخ.
كان من بين مختارات الساعدي قصيدة للجواهري، كتبها في السبعين من عمره؛ وهنا يستوقفنا سؤال هو: هل يحتاج الجواهري الى الانتفاخ وهو شاعر العرب الأكبر قبل نصف عمره من كتابة قصيدته هذه؟
وهل عاش عزلة وهو المدلل في كل المراحل ولاسيما في زمن كتابته القصيدة، إذ حياته المستقرة في
الشام وحياة ابنه فرات المستقرة في العراق؟.
انتفاخ القصيدة الذي جاء به «الساعدي» يبدو مرادفا لنسق الفحولة الذي أخذه عبد الله الغذامي عن الدكتور علي الوردي؛ وراح الساعدي يطبقه على الشعر التسعيني في العراق، ومع ان عوامل العزلة ضاغطة بشكل واضح على ذات الشاعر التسعيني، لكن الساعدي يطالب حتى الجواهري بعدم انتفاخ الأنا في شعره عازيا ذلك للعزلة؛ ثم دعا، ما بين سطور مقاله، الى الانفتاح على العالم، وكأن القصيدة العمودية وحدها المنتفخة أو المنتفخ شاعرها؛ وإلا ما قولنا في (أسير مع الجميع وخطوتي وحدي)؟
قلت: إن المقال يستحق الاهتمام، ولعل مقالي هذا، يعد من ثمار استحقاقه؛ لكننا حين نضع المقال نفسه على طاولة التشريح الثقافي نجد «ذات» الساعدي بعد تحولاته الجديدة في الشعر تفرض نفسها وتطغى على المقال، لاسيما بعد أن تناول أقرب قصائده الى نفسه، ليخبرنا أنّه غادر هذه المنطقة.
وبعد استعراضه المهذّب لقصائد عراقية، يقع الساعدي في ما وقع فيه الغذامي من قبل؛ ذلك لأنّ كل النماذج الشعرية كانت عراقية وكلها منتفخة، وقد كانت عند الغذامي كلها فحوليّة، ثم ينهي المقال ليترك النسق المضمر لعبد الله الغذامي الذي مازال أسيراً لموروث أستاذه الشيخ محمد بن صالح العثيمين. لكن الساعدي لم يحدثنا عن عزلة الغذامي في كنف العثيمين ولا عن انتفاخ تشريحه الثقافي.