مسرحة الإعلام

آراء 2020/09/28
...

  عبدالهادي البابي
 
 
برزت في الآونة الأخيرة ظاهرة (مسرحة الإعلام)، وهي أنْ يؤدي مقدم البرامج أو المذيع حركات بهلوانية (مسرحية) ويتلفظ بكلمات عامية مبتذلة وهابطة كالتي نسمعها أحياناً في الأماكن العامة والمقاهي والأسواق - بعيداً عن اللغة الإعلامية الرصينة - من أجل الترويج لبرنامجه أو التسويق للخبر الذي يريد أنْ يذيعه من على شاشة القناة، وعندما نستنكر عليه ذلك يقول متمادياً: «إننا يجب أنْ ننزل إلى مستوى الناس حتى يفهموا ما نقوله وما نريد أنْ نوصله إليهم»!.
ونقول لهذا وأمثاله:  نعم لا بأس عليكم، إنزلوا إلى مستوى الناس ولكن لا تنزلوا بمستوى اللغة العربية، ولا تنزلوا بمستوى المهنية الإعلامية، ولا تنزلوا بمستوى الاحترام والأخلاق والشخصية الإعلامية التي يجب أنْ تبقى محترمة وقوية وبعيدة عن الإسفاف والابتذال والهذر. وما هذا الأمر الذي تفعلونه إلاّ شيء مستقبح وهو خارج السياق الإعلامي المحترف الذي يجب أنْ يكون في حدود المهمة الإعلامية المحترمة وفي حدود اللياقة التي تفرضها السياقات الإعلامية المعروفة، أما أنْ يتحول مقدم البرامج واللقاءات والأخبار - وحتى المراسل من مواقع الحدث المباشر - إلى (قرد ينز من هنا وهناك ومهرج تافه يسيء إلى هذا ويغتاب ذاك) من على الشاشة فهذا شيء يشين الإعلام ويسيء إلى سمعته ويدفع الناس للنفور منه وفقدان الثقة بجديته ومهنيته وأخلاقيته!
إنَّ ما نراه ونسمعه اليوم من إذلال وإهانة للغتنا العربية الكريمة على يد بعض الإعلاميين والصحفيين خلال لقاءاتهم وبرامجهم وأخبارهم و(حتى في دروسهم التي يعطونها لطلاب الإعلام والصحافة) شيء يدعو للأسف والحزن، فهؤلاء لم يدركوا أنَّ اللغة هي المكون الأساسي للهوية الوطنية الجامعة وهي المكون الأساسي في البناء الحضاري والإنساني لأي أمة أو شعب في هذا العالم، ويجب أنْ تكون هذه اللغة هي لغة الإعلامي المحترف!
ونحن عندما نذكر الإعلام وخطورة مسرحته بهذه الطريقة المعيبة والمهينة فهذا لا يعني أنَّ الإعلام وحده هو المسؤول عن تدني اللغة العربية، بل هناك العديد من الشرائح التربويَّة والتعليمية التي تتعاطى اللغة في موادها وشروحاتها قد أساءت بشكلٍ كبير للغتنا العربية وراحت تبتعد بأجيالنا عن أصل هويتها.
وعليه، يجب أنْ تكون هناك قرارات سريعة وسياسات فورية لرفع مستوى اللغة العربيَّة في كل مجالات حياتنا، وعلى المختصين باللغة العربية وأساتذة النحو والبلاغة والفلسفة وعلم الاجتماع أنْ يتفقوا على المعاجم الموحدة وعلى المصطلحات الواضحة، وعليهم التركيز على منهجيَّة التعليم في المدارس من المراحل الابتدائية وحتى سنة التخرج الأخيرة من الكلية، وأنْ تكون أهم محاور تلك المنهجيَّة التركيز على ربط مسألة الهوية باللغة العربية.
وعليهم - أعني أهل الأختصاص- أنْ يعملوا على أنْ تكون لغة الإعلام والأنترنت والمدونات ومواقع التواصل الاجتماعي وكل برامج التربية والتعليم هي اللغة العربية الفصحى حتى تدخل في البناء الأساسي عند أجيالنا القادمة كي لا يفقدوا العلاقة بهويتهم الأساسية التي هي مصدر البناء الحضاري والفكري التي حفظتها لنا ذاكرة تاريخنا العريق.!