قراءة في الدعوة التركيَّة الى الكاظمي لزيارة أنقرة

آراء 2020/09/29
...

  محمد كريم الخاقاني 
 
 
تأتي دعوة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لزيارة أنقرة في إطار تبدل في الموقف التركي إزاء العراق بعد تدخلها العسكري المستمر في الأراضي العراقية وتمركز قواتها بقواعد دائمة في منطقة بعشيقة في معسكر الزليكان، فضلاً عن تداعيات أخرى مرَّتْ بها العلاقات الثنائيَّة على خلفية تكرار القصف التركي للمدن العراقية في شمال العراق وشجب عراقي وتنديد عربي لتلك التصرفات التي تتنافى مع مبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الغير، إذ انعكست تلك الأحداث على طبيعة العلاقات الثنائية للبلدين ومنها إلغاء زيارة كان من المقرر أنْ يقوم بها وزير الدفاع التركي الى بغداد بعد تسليم السفير التركي فاتح يلدز لرسائل احتجاج من الحكومة العراقية.
إنَّ الدعوة التركية لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إنْ حصلت فهي متأخرة نوعاً ما ولكنْ على العموم تبقى بادرة تركية لحل المشكلات بين البلدين بعد التأزم الحاصل بينهما، فتركيا ترى في العراق سوقاً لتصريف منتوجاتها، إذ وصلت القيمة الإجمالية لحجم التبادلات التجارية الى نحو ٢٠ مليار دولار وهو رقمٌ تطمح تركيا الى زيادته مستقبلاً، فضلاً عن مناقشة بعض الملفات التي تؤثر في شكل العلاقة بينهما، فهناك ملف حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه أنقرة بالمنظمة الإرهابية ويتخذ أفراده مناطق جبال قنديل منطلقاً لعملياتهم ضد القوات التركية وراء الحدود، إذ يأمل الحزب ومنذ بداية حركته المسلحة في العام ١٩٨٤ بالحصول على الاستقلال عن أنقرة لتواجد أغلبية سكان منطقة جنوب الأناضول من القومية
 الكرديَّة.
وكذلك هناك ملفات أخرى تؤثر في طبيعة العلاقات الثنائيَّة بين العراق وتركيا ومنها ملف المياه وبناء السدود التي تؤثر في حصة العراق من مياه نهري دجلة والفرات التي تعد تركيا منبعيهما، هذه الملفات تعكس وجود حقيقة مهمة لا يمكن نكرانها وتجاوزها والسعي الحثيث للتوصل الى حلولٍ مناسبة بشأنها بين البلدين وتأثيراتها المباشرة في المجالات الأمنية والاقتصادية والسياسيَّة، فالدعوة التركيَّة في هذا الوقت بالذات تأتي في إطار رغبة تركيَّة وعراقيَّة لحل تلك الملفات الشائكة والتي تفاقمت في المدة الأخيرة، ويجب التعامل معها وتخفيض حدة التوتر في العلاقات وتأزم الوضع 
بينهما.
ومن المؤمل برأيي أنْ يلبي السيد مصطفى الكاظمي دعوة الرئيس التركي أردوغان لزيارة أنقرة في ظل التوجه العراقي الجديد الرامي للانفتاح على دول الجوار وفي إطار التوازن في العلاقات.
وتشعر تركيا بأنَّ العراق قد يتجه بعيداً عنها، لا سيما في ظل التحركات الأخيرة التي أسفرت عن عقد قمة ثلاثيَّة تضم فضلاً عن العراق، كلاً من المملكة الأردنية الهاشمية وجمهورية مصر العربية، إذ طرح الكاظمي في هذه القمة تصوراته للمرحلة المقبلة عبر رؤية للمشرق الجديد، وترى تركيا في هذا التصور ابتعاد العراق عنها لدول لها تقاطعٌ سياسي معها ومنها مصر، فضلاً عن توجه عراقي لدول الخليج العربي من جديد وهذا يعني خسارة تركيا للعراق اقتصادياً وسياسياً، فضلاً عن توجسها من الدعم الدولي وبالخصوص الفرنسي منه للعراق بعد زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للعاصمة العراقية بغداد في بداية شهر أيلول.
جميع هذه التطورات في المنطقة، تجعل من تركيا تتحرك لإعادة خطوط اتصالاتها بالعراق من جديد وتسوية الملفات العالقة معه من أجل عدم خسارته، كونه يمثل سوقاً تجارية واعدة بالنسبة للاقتصاد التركي مع سعي تركي لزيادة مبلغ الصادرات الى أكثر من ٢٠ مليار دولار حالياً، فضلاً عن توجهات عراقيَّة جديدة لإحداث التوازن في علاقاته الخارجية، ولا سيما بدول محيطه الجغرافي مع أفضلية لعمقه
 العربي.
 
أكاديمي وباحث في الشأن السياسي