وُلِدَ من رَحِمِ المُستَحِيلِ

آراء 2020/09/29
...

  احمد عباس الذهبي 
 
يقول نيلسون مانديلا: لا أحدَ منا يمكن أن يحقق النجاح بأن يعمل لوحده يُروى أن فلاحًا ظل يزرع نوعًا من الذرة ذات الجودة العالية، وكان يحصد كل عام "جائزة أجود إنتاج" عامًا تلو. 
ذهب إليه أحدهم وسأله عن سر التفوق فأجاب: أسافر بعيداً وأجلب البذور الجيدة، وأوزعها بين جيراني ليزرعوها في حقولهم، وبعد ذلك أزرع حقلي، وأهتمّ بالري والنظافة، وبهذا أنال جائزتي الإنتاج والجودة. 
فسأله سائل: لماذا توزع بذورك الجيدة لجيرانك وأنت تعلم أنهم ينافسونك في نيل تلك الجائزة؟ ردّ الفلاح: أفعل ذلك لكي أضمن عدم انتقال لقاحات البذور الرديئة من حقولهم إلى حقلي بواسطة الرياح. هكذا لخّص الفلاّح سرّ النجاح: لكي ينجح المرء في الحياة، فعليه أن يساعد الآخرين على النجاح.
هذا ما يطلق عليه المختصون بالمناخ الصحي للنجاح الدائم، فكلما ارتقى الإنسان احتاج أن يحيط نفسه بمناخ صحي يضمن له الاستمرار في التطور والارتقاء!ومن المؤسف أن مجتمعنا العربي يفتقر إلى ثقافة النجاح، وتطغى عليه ثقافة التنافس الأقرب إلى الافتراس، أو النجاح الفردي على حساب النجاح الجماعي، ولن تتقدم مجتمعاتنا حقيقة وتتكاتف إلا بترسيخ ثقافة المناخ الصحي للنجاح لأنها الأرضية الصلبة لأي تطور أو إصلاح أو رقي منشود، ومن أجل ذلك، إليك بعض الأفكار التي قد تعدل مسار فكرة النجاح المعهودة في ذاكرتنا:
- النجاح في متناول الجميع:النجاح ليس حكرًا على أحد، ولا فئة دون أخرى، فهو متاح وممكن لكل من يحاول بجدية، ولا حجة لأحد أن يتذرع بأي شيء، وليسأل كل نفسه: ما الذي يحول بينه وبين النجاح؟ وسيجد أن كل الأسباب وهمية، لا تصمد أمام والعزيمة، وأن لا عمر محددًا لبدء طريق النجاح، فكل لحظة تصلح لأن تكون نقطة بداية وانطلاق.
- الفشل خطوة أساسية في طريق النجاح: يجب أن يكون واضحًا في ذهن من يروم النجاح أن طريق النجاح غير معبد، بل مليء بالأشواك والعثرات والصخور والعقبات، فعلى من يبتغي النجاح أن يشق طريقه بنفسه وإنْ بأظافره، ولا يعتمد أو يركن إلى غيره، وليعلم أن الطريق المفروش بالورود لا يؤدي للنجاح بالضرورة، بل قد يكون للهاوية أقرب، وعليه أن يكون على يقين أن الفشل خطوة مهمة في طريق النجاح، لأن الفشل لا يعني نهاية الطريق، بل كل فشل هو درجة مهمة في سلم النجاح، يزيد من مناعة المرء وصلابته فعلى الإنسان، ألا يحبط بل يزداد إصرارًا للوصول إلى هدفه!
- كي تنجح لا بدَّ من مشاركة تجربة النجاح: مشاركة النجاح، من أهم طرق ترسيخ ثقافة النجاح ونشرها وتعميقها، فالأصل في الإنسان الناجح الذي يهدف أن يكون نجاحه في خدمة بلده، أن يشارك غيره في نجاحه: في جزء منه أو مرحلة من مشروعه، بهدف نقل المعرفة لهم، وتأهيلهم لخوض مشروعهم الخاص. كما يمكن أن ينقل معرفته إلى غيره عن طريق التدريب والإرشاد، واكتشاف نقاط القوة والضعف، والتشجيع والتحفيز، ودعمهم في التخطيط لمشاريعهم، ومتابعتهم حتى يصلوا إلى سكة النجاح.
- النجاح عمر وليس مرحلة: الإنسان الناجح تكون حياته كلها مسيرة متواصلة من النجاح أو في الطريق إليه، فالنجاح لا قمة له ولا نهاية، بل سلسلة لانهائية من الدرجات، كل درجة تُسلم إلى درجة أعلى. والنجاح الحقيقي لا يؤمن بالقمم أو يهدف الوصول إليها، لأن الوصول إلى القمة يعني بداية الانحدار، إضافة إلى كونه أنانية لا تحتمل الشراكة، لذا فدرجات النجاح تتسع للجميع وعليك أن تسعى طول عمرك كي تحقق النجاح الذي تصبو إليه!
من يعتقد أن النجاح يحدث فجأة واهم، ومن يلومك على مراحل رحلتك بكل تعرجاتها وانكساراتها، ساذج. لولا فضل الله علينا في محطاتنا ما صنعنا يومًا نجاحًا ولما صرنا يومًا شيئا وما بلغنا مجدًا! 
أكثر القادة حنكة، هؤلاء الذين صقلتهم الدنيا، فأصبحوا ذهبًا خالصًا، لا يصدؤون مع مرور الوقت، بل يزيدهم الزمن لمعانًا وقيمة.
وأثمَنُ النجاحِ ما وُلِدَ من رَحِمِ المُستَحِيلِ ، وتسَربَلَ بسِربالِ التَعَبِ؛ ولا تُعقد النجاحات على الشهادات والمراكز والمشاريع، قد يكون النجاح رابطة أسرية متينة تخلق الأمان والأُنس، وذِكر حسن بين الناس يدفن الحَنَق ويُظهر سلامة الصدر.. تأمل إنجازاتك الخاصة وابتهج بها، ولا تراقب إنجازات غيرك فتظن أنها الشكل الوحيد للنجاح. قد ينجح أحدهم مادياً ويفشل اجتماعياً، وآخر ناجح في عمله لا يستطيع بناء أسرة.. بعض المواقف والقرارات هي نجاحاتك الحقيقية، فاحتفِ بها.