أغلب قراء الفلسفة يعرفون علاقتها بالفانوس، ولكم في "فانوس ديوجين" مثال لها، وديوجين هذا فيلسوف يوناني، عاش في زمن الاسكندر المقدوني، فقد كان يحمل فانوساً في وضح النهار، الأمر الذي أثار استغراب جميع من شاهده، فسُئل: لماذا تحمل هذا الفانوس أو المصباح والشمس تتوسط السماء؟ فكانت إجابته: أنه يبحث عن الإنسان!.
أظن أنها حكمة عظيمة تكشف عن دور الفيلسوف والفلسفة في بناء الوعي بالذات والمجتمع.
عُرف عن سقراط حكمته النبيلة "اعرف نفسك"، وهي مقولة تُبتدأ بها الفلسفة ولا تخرج منها، لأن مهمة الفلسفة بوصفها معرفة الذات أولاً ، تنطوي على أبعاد معرفية "نقدية" وعلى أبعاد سايكولوجية "نفسية" فضلاً عن اكتنازها لمعرفة المجتمع بوصف الذات هي اللبنة الأساسية التي تُبتدأ بها الحياة الاجتماعية.
جاء في آية من آيات القرآن الكريم "إن الله لا يُغير ما بقوم حتى يُغيروا ما بأنفسهم"، وهي بلحاظ التلقي الفلسفي لها، إنما يُقصد بها أن التغيير مرتبط بوعي الذات بعمرانها وخرابها على المستوى القيمي من جهة، وعلى المستوى المعرفي من جهة أخرى، ليختصر لنا هذا المعنى قول معروف للإمام علي (ع):
وتحسبُ أنك جُرمُ صغير
وفيك انطوى العالم الأكبرُ
ربط صاحب الفانوس "ديوجين" بين السعادة وقدرتك على التخلي عن الملذات والشهوات، وهذه بعض من "أحلام الفلاسفة"، بل و "المتصوفة"، وهي من قبيل ما ينبغي أن يكون لا من قبيل ما هو كائن، فالدارج المعروف عندنا هو أن الإنسان يميل بطبعه للغلبة، لذلك هي حالة نادرة اختص بها بعض البشر دون غيرهم، إنهم هؤلاء الذين حاولوا "المطابقة" بين طريقتهم في الحياة وتنظيرهم الفكري أو الفلسفي.
اختصر فيلسوف العرب الأول "الكندي" تعريف الفلسفة بقوله:"إنها معرفة الإنسان لنفسه" أو "اعرف نفسك بنفسك"، ليجعلها بمثابة العتبة الأساس لمعرفة ما أسماه "الفلسفة الأولى" "ما بعد الطبيعة" أي معرفة "علة العلل" و سبب الوجود الأول، الذي تصح معرفته في "العودة للذات"، وكأن في هذه العودة حملاً لمصباح المعرفة بالوجود الذاتي و "الوجود بما هو وجود".
اخترت اسم "فانوس" لعمودي الأسبوعي، لعمق دلالته التداولية في المأثور الأسطوري والديني والفلسفي، بكونه شكل أيقونة الاضاءة المعرفية والطبيعية لكل الظلام الذي أحاط بنا.
إنه دلالة على توقد العقل وتوهجه...
يتبع...