حسين الصدر
- 1 -
يمكن القول ان قوافي الشعراء انما هي المرايا الصافية التي تعكس ما يمور في نفوسهم من انفعالات وأحاسيس وهواجس والشاعر البارع هو الذي يصوغ تلك المشاعر صياغة فنيّة أخاذّة لتنتَقِلَ منه الى شفاه المعجبين والمتفاعلين.
- 2 -
والشعراء على نحوين :
منهم مَنْ يتمحض بقدراته الشعرية ويبدع فيها وتكون الشاعرية صفته الأولى كالجواهري والسيّاب. ومنهم من تكون قدرتُه على صياغة القوافي المؤثرة واحدةً من مواهبه، وهم رعيل ضخم من الفقهاء والعلماء وأصحاب الاختصاص في شتى الفنون .
- 3 -
وفي هذه المقالة الوجيزة نستل من التراث الشعري العربي الحافل بعيون الشعر بعض النماذج .
قال البارع الدباس (الحسين بن محمد) ت 524 هـ
- الذي ابتلي بخدمة بعض الأمراء، مما يكشف عن حاجته لهباتهم وصلاتهم مع انه كان من بيت الوزارة فان جده القاسم كان وزيراً للمعتضد وللمكتفي بعده - .
أفنيتُ ماءَ الوجه مِنْ طُولِ ما
أسألُ مَنْ لا ماءَ في وَجْهِهِ
أُنهي اليه شرح حالي الذي
يا ليتني متُّ ولم أُنْهِهِ
فلم يَنَلنيْ كَرَماً رفْدُهُ
ولم أَكَدْ أسلمُ من جَبْههِ
والموتُ مِنْ دهرٍ نحاريرُه
ممتدةُ الايدي الى بُلْهِهِ
وهذه الابيات تقطر ألما ولوعةً، وتصوّر شدة معاناته من الاضطرار لسؤال بعض البلهاء الذين لم يكن في وجوههم ماء ..!!
انها الشكوى من الدهر،
وانها الخيبة من التنكر للموهوبين من أهل الشعر والأدب .
وانها الاعلان عن الوصول الى طريق مسدود ...
لقد كانت الأبيات مزيجاً من كل ذلك ، وكانت مثيرة للغاية لا يقرؤها منصف الا ويصطف مع الشاعر ويتألم لما عاناه .
- 4 -
ويصف نظام الملك حاله عند الشيخوخة فيقول :
تقوّس بعد طول العمر ظهري
وداستني الليالي أيّ دوسِ
فأمشي والعصا تمشي أَمامي
كأنَّ قوامَها وَتَرٌ بِقَوْسِ
انه جعلنا نستحضر ألوانا من الأهوال والمشاق والتحديات حين أخبرنا بأنَّ الليالي داسته ...
انّ دوس الليالي هي الكناية البليغةُ عن الصراع المرير مع الأهوال والأحداث التي لابُدَّ أنْ تترك بصماتِها في تضاريس مساره الحياتي .
- 5 -
وهذا ابو نواس (الحسن بن هاني ت 198 هـ) يكتب في ساعاته الأخيرة رباعية يقول فيها :
يا رب إنْ عظمُتْ ذنوبي كثرةً
فلقد علمتُ بانّ عفوَكَ أعظمُ
انْ كان لا يدعوك الاّ محسنْ
فَمن الذي يرجو ويدعو المُجرم ؟
أدعوكَ ربِّ كما أمرتَ تضرعاً
فاذا رَدْدتَ يدي فَمَنْ ذا يرحمُ ؟
مالي اليك وسيلةٌ الاّ الرجا
وجميلُ عفوِكَ ثم أنّي مُسلمُ
نعم
لا ملجأ من الله الاّ اليه،
وحسنُ الظن بالله رصيد كبير لكلّ النفوس المؤمنة التوّاقة لعفوه ورضاه، ولا محل لليأس على الاطلاق.