قبل أن تتطور عملية النزاع المسلح بين فصائل مسلحة والقوات الأميركية والدولية بالعراق، والانتقال الى مرحلة الصدام والمواجهة الفعلية عبر التراشق بالقنابل والصواريخ على حساب أمن وسيادة واستقرار العراق، نتساءل ما الدور الذي يمكن أن تمارسه الجهود السياسية لوقف ذلك الرهان الخاسر الذي لا يجلب سوى زيادة بأعداد القتلى والضحايا والخسائر المادية الهائلة في بنيان الدولة العراقية؟
وقبل الحديث عن حيثيات الصراع وتلميحات الردع الاميركي الذي بدأت مؤشراته مقلقة وتتصاعد باتجاه حصد الأرواح وفرض واقع جديد، ينهي تماما ما كان مأمولا منه في اتفاقية الاطار الستراتيجي التي بدأت المباحثات بشأنها في حزيران الماضي والتي تشمل التعاون بجوانب تعليمية واقتصادية وزراعية وتكنولوجية وأمنية وثقافية، فالمتابع للعراق يجده يخطو ذات الخطوات التي مرت بها لبنان، ان درس لبنان مفيد للعراقيين كقوى سياسية واقتصادية ومسؤوليات تنفيذية وتشريعية عليا لوضع الأمور في نصاب المقارنة ومن ثم صياغة منهج تعامل يناسب مصالح العراق مع القوى الكبرى ومنها الولايات المتحدة الأميركية.
وعمليا فإن عمليات القصف شبه اليومي جعلت الولايات المتحدة الأميركية تفكر جديا بسحب سفارتها من بغداد، لتوفير المناخ الآمن لحملة الرئيس دونالد ترامب الانتخابية في تشرين الثاني المقبل، ودون تعرض المصالح والجنود والدبلوماسيين الاميركيين لاعتداءات محتملة في العراق، لكن التلويح بالانسحاب الدبلوماسي من العراق يعني ذلك تلويحا أميركيا بالرد المسلح في الوقت الذي ترغب والمكان الذي تختار والهدف الذي يناسبها، وبطبيعة الحال فهذا سيشكل انتهاكا خطيرا لسيادة العراق، وقبل أن تقع هذه الأحداث وتتشعب تفاصيلها نتساءل الا ينبغي للعقلانية والجهد السياسي من التواجد بغية حل إشكالية القصف بصواريخ الكاتيوشا ضد السفارة والمصالح الاميركية والتي تمثل انتهاكا وتهديدا للسيادة العراقية؟.
أن وضع العراق بالوقت الحاضر يبعث على القلق والشؤم، وإن تطورا أكثر من ذلك سينجم عنه شلل يصيب برامج الدولة العراقية وفي مقدمتها استقالة حكومة الكاظمي وإحلال الفوضى وإذكاء العنف الداخلي لجماعات مسلحة عدة مع انتكاسة اقتصادية كبيرة يحرم حوالي ثمانية ملايين نسمة من موظفي الدولة بما فيهم الرعاية الاجتماعية والمتقاعدين من تسلم رواتبهم الشهرية، وتأجيل الانتخابات البرلمانية فضلا عن غياب دور المجتمع الدولي عن العراق.
ما من شك أننا جميعا معنيون بفهم الدور الأميركي الخطير على المصالح العراقية، فواشنطن تمتاز بالمهارة برسم خطط جهنمية خبيثة في حال تضررت مصالحها، وبالوقت الحاضر هي ليست متفرجة، بل تخطط جديا لاقتطاع المنطقتين الشمالية والغربية والتواجد في ثلاث قواعد عسكرية كبرى في (عين الأسد) بالأنبار و(الكيارة) في نينوى و(حرير) في أربيل، وهذا معناه ان البلد يسير باتجاه تطبيق خارطة جو بايدن في التقسيم، ذلك الذي نخشاه، وعليه فإن موجبات التهدئة والتعامل وفقا لمبدأ تبادل المصالح هي من أساسيات العمل الوطني السليم لأي جهة حزبية أو جماعة مسلحة أو قوى سياسية أخرى.