لا تعجبي؛ ساعتي رقاصها ذكرٌ
هل في ذكورة رقاصين من عجبِ !!
كل الألوان مادتها الصبغ، إلا الأبيض فجوهره السريرة؛ والبياض زجاج، منه ترى الشكل الخارجي فتطمئن الى الجوهر المكنون؛ ولأنه زجاج فهو فاضحٌ جارح، وكاشفٌ ناصع؛ فإذا التاث الجوهر انكسر البياض وتلون، وتشظت منه الألوان، فاحمرار الوجه هو انكسار الزجاج/ البياض، ليكشف لنا انكسار المضمر وتشظي ألوانه، فيحمر الوجه خجلاً، ويبرد لونه التباساً وارتباكاً، بل حتى خوفا؛ ويقال:( وجهك مخطوف) سؤالاً عما وراء ذلك.
واعتادت العرب أن تخاطب المسميات بأعز أجزائها وفي قوله تعالى: (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) دليل واضح على أن الوجه حامل رسالة كل البياض الداخلي؛ فأبيض الوجه ليس وجهه أبيض فقط، انما كل ما فيه ولديه أبيض ناصع.
والبيت الذي افتتحت مقالي به، هو للشاعر الكبير كاظم الحجاج، شاعر بصري، من البصرة، وعراقي لأنه من أحد العراقين الذين ذكرهما أبو الطيب المتنبي في بيته الشهير:
وغير كثيرٍ أن يزورك راجل
فيرجع ملكاً للعراقين واليا
والعراقان في بيت المتنبي هما الكوفة والبصرة، المدرستان الحارستان للغة العربية، وهما مرجعان كل من يضطرب لديه النحو.
يعد كاظم الحجاج واحداً من
أعمدة الشعر العربي المعاصر؛ ولقد وفقني الله أن أكون أحد منظمي فعالية «بيض الوجوه» مع الصديق يوسف المحمداوي، وكنا نعني ببيض
الوجوه الأدباء الذين خرجوا من مرحلة النظام الساقط بكامل بياضهم
وصفاء زجاج مراياهم؛ وكان من دواعي سروري وفخري أن أقدم الشاعر
الكبير كاظم الحجاج شاعرا ناصع البياض.
كان ذلك أول لقاء بيني وبين صاحب الجمل الشعرية القصيرة المكتظة شعرا؛ فلقد كنت أحفظ له من بين هذه الجمل قوله: ( في بيتي الآن امرأة.. سلمت عليها، فتزوجنا) وكنت قد سمعتها من التلفزيون وهو يلقي قصيدته في أحد المهرجانات .
لكنه وبكل هذا الثقل فاجأني بإهداء ديوانه لي، كاتباً بخط يده: الى حسين القاصد.. دمت ساتراً أمامياً لنا نحن الضعفاء. دام بياضك الناصع أيها العراقي الأكيد. شكرا لبياضك كاظم الحجاج .