الحسين «ع» ورؤيته في صناعة السلام

آراء 2020/10/04
...

  وجدان عبدالعزيز
 
حسب الوقائع التاريخية المثبتة، أن هناك وثيقة معاهدة بين الامام الحسن ومعاوية، نقضها معاوية بعدما اعتلى كرسي الخلافة، ومن بنودها بعد خلافة معاوية تأول الخلافة للحسن إن كان على قيد الحياة، او لأخيه الحسين عليهما السلام، ولكن معاوية، فاعتلى يزيد الخلافة بالظلم والعدوان، فبدأت رسائل الامام الحسين البليغة، التي هزت الضمائر الانسانية الحية في وقتها، وأيقظت الوعي الجمعي لخطورة الموقف مثلا من كتبه لمعاوية: 
(ودع عنك ما تحاول، فما أغناك أن تلقى الله من وزر هذا الخلق بأكثر مما أنت لاقيه، فوالله ما برحت تقدح باطلا في جور، وحنقا في ظلم حتى ملأت الأسقية، ومابينك وبين الموت الاّ غمضة)، ونلاحظ أن الامام استخدم الطرق السلمية حقنا للدماء، وفي كتاب للوليد بن عتبة والي 
المدينة: 
(أيها الأمير إنّا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة، بنا فتح الله، وبنا ختم، ويزيد فاسق، فاجر، شارب للخمر، قاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق والفجور، ومثلي لايبايع مثله)، وهنا وضع الهدف الرئيس من ممانعته لمبايعة يزيد، مستعملا الطرق الدبلوماسية الصحيحة، وتعرية مساوئ يزيد، الذي يعرفه القاصي والداني، وهذه الحالة اظهرت الجوانب الواقعية من معارضة الحسين لخلافة يزيد، كون وضع يزيد الاجتماعي والاخلاقي ظاهرا وواضحا امام الجميع، فلا يسمح له تولي خلافة المسلمين، فهذا الرجل أفسد وعاث ظلما وجرما في بلاد المسلمين، وكان العامل الثاني الملح لثورة الحسين رسائل اهل الكوفة، التي بلغت الآلاف يحثون الحسين بالقدوم لاجل مبايعته، ومن ثم كتابه لأخيه محمد بن الحنفية، الذي عارض الحسين في خروجه لقتال يزيد، فقال له: (إني لم أخرج أشرا ولابطرا ولاظالما ولامفسدا، انما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي)، وكما يتبدى لنا من خلال هذه الرسائل أن الحسين من دعاة السلام، لكنه رجل غير عادي، يشار له بالبنان وعليه مسؤولية القيام بالمهمة، لهذا طلب الاصلاح، ودليل اخر هو خطاب زهير بن القين (رض)،أحد صحابة الإمام في ساحة المعركة:(ياأهل الكوفة نذار لكم من عذاب النار نذار، إن حقا على المسلم نصيحة أخيه المسلم، ونحن حتى الآن أخوة على دين واحد وملة واحدة ما لم يقع بيننا وبينكم السيف، وأنتم للنصيحة منا أهل، فإذا وقع السيف انقطعت العصمة، وكنا نحن أمة وأنتم أمة).. اذاً كل ثورة الحسين قامت على السلام والاخوة والنصيحة، وعلى مبدأ قرآني واضح تجلى بالآية الكريمة:( ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمهْتَدِينَ) وحينما فاوض الحسين جماعة يزيد، طلب منهم الرجوع بشرط عدم النزول ومبايعة يزيد، لكنهم رفضوا، وفرضوا عليه الحرب وحدث ماحدث، وحيث كان الامام الحسين اعلم بأهل الكوفة، ولكن الحتمية التاريخية تدينه لوترك هذا الامر، والاهم من هذا ان دعوة الرسول والخلفاء ولبة الاسلام، هي الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم ان هناك امرا وهي وصية معاوية ليزيد باخذ البيعة من الحسين اخذا شديدا ليس فيه رخصة، اي بالقوة، وكان رد الحسين حينها بقوله (ومثلي لا يبايع مثله). 
هذه الاسباب الموجبة التي دفعت الحسين أن يقارع جبروت الظلم والعدوان والفسق والجحود لرسالة محمد "ص".