مشاريع لتنمية البطالة

آراء 2020/10/05
...

 أحمد حسين
يبدو أنَّ بعض المسؤولين لدينا وبالأخص من يطرحون مشاريع تطوير البلاد يعتمدون على "الانبهار" بما يشاهدونه من تقدم عمراني في الدول التي يزورونها، من دون النظر إلى نتائجها وتداعياتها، وما إذا كانت تتناسب مع واقعنا أم لا، ولذلك نجدهم يحاولون نقل التجارب من بلدان اعتمد مخططوها ومطوروها ستراتيجية قائمة على مصلحة الدولة والشعب وليس التجميل والبهرجة.
هناك الكثير من هذه المشاريع الانبهارية التي طرحت وما زالت تطرح، ومؤخراً يدور الحديث على قطار بغداد المعلق، الذي تقول وزارة التخطيط إنه بطول 22كم ويتكون من 14 محطة في مرحلته الأولى وطاقته الاستيعابية تصل إلى 30 ألف مسافر في الساعة الواحدة، ويعمل لـ16 ساعة يومياً، وسيوفر 10 آلاف فرصة عمل.
هذه الأرقام أثارت استغرابي وفضولي ودفعتني للبحث عن معلومات حول هكذا مشاريع في دول العالم، لأجدني أمام كم هائل من التفاصيل لا يسعها المقام.
أول معلومة لاحظتها هي أن الدول لجأت لشبكات المترو لقلة وسائل النقل الخاص والعام أمام ضخامة أعداد الركاب، وفي العراق نواجه أزمة عكسية، اذ ان وسائل النقل الخاص بالآلاف وسائقوها يشكون من تدني مدخولاتهم لكثرة الباصات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة .
كما أن مشاريع النقل وبالأخص القطارات من بين المهن التي تحتاج لعدد قليل من العاملين، وبالتالي نحن أمام تشغيل عدد محدود جداً ونلقي بالآلاف في محرقة البطالة، فالقطار يحتاج لسائق واحد ومساعد ربما، ولنفترض أن كل محطة تحتاج لعشرة موظفين، وسنجود على ورش الصيانة والتنظيف وغيرها بـ220 موظفاً، سيكون المجموع في وجبتي العمل 504 موظفين ما بين سائق ومساعد وفي المحطات والورش، فإذا ما كانت المرحلة الثانية من المشروع تتطلب هذا العدد أيضاً فالمجموع الكلي 1008 موظفين فقط، فأين سيعمل باقي العشرة آلاف موظف أو عامل أو كاسب؟.
وهناك تساؤل مهم ربما غفل عنه المتحمسون لهذا المشروع، هل واقع الطاقة الكهربائية في العراق يتناسب مع ما يحتاجه القطار من طاقة مستقرة ومستمرة لكي يعمل؟!،
أما الجدوى الاقتصادية لهذا المشروع فلن تتحقق إلا بعد 20 عاماً على الأقل، اذ ان كلفة المشروع تتراوح بين 2 إلى 3 مليارات دولار، بحسب التصريحات، وبما أن أجرة التنقل المعتمدة حالياً داخل بغداد 1000 دينار كحد أقصى ولنفترض أن القطار سيعمل بكامل طاقته الاستيعابية البالغة 30 ألف راكب على مدار الـ16 فان الإيرادات السنوية الافتراضية لن تصل إلى 150 مليون دولار سنوياً.
إذا، ما الجدوى من هذا المشروع التجميلي الذي سيكلف الدولة أموالاً هي بأمس الحاجة إليها ولن تستردها إلى بعد عقود من الزمن، وسيضاعف من أزمة البطالة في البلاد، أرى اننا بحاجة إلى التفكير بنتائج المشاريع التي نطرحها قبل أن ننبهر بجمالها وتطورها.