ياسين النصيَّر
كي يستولي الإنسان على أشياء الطبيعة التي بدت عصية على فهمه، كالبراكين والزلازل والمطر والعواصف والشمس والقمر والنور والظلام.. الخ، خلق لها آلهة كي يتمكن من مخاطبتها، فالخطاب لا ينتج إلا إذا كانت هناك جهة يوجه إليها خطابه، هذه الأشياء التي صيّر الإنسان البدائي لها آلهة، هي الأشياء نفسها، التي مثلت هذه الآلهة بأشكال فنية صنعها الإنسان لها كي يخاطبها، ولكن ليس كل الأشياء يخلقها الإنسان تكون دائمًا وفق إرادته، أو صالحة لأن تُخاطب، بل أن الأشياء المهمة، يتم خلقها عبر الحلم بها، فالأشياء المحلوم بها تكون شبه مقدسة، خاصة إذا تواردت لدى أكثر من حالم، فالضياء الذي تبدعه الشمس يفلح الحلم الذي خصص الإنسان له إلها، وهو "جانيوس" ذو الوجهين، في إدخاله ضمن المجال النهاري. فإذا كان الحلم نهارًا يولد من الليل، وإذا كان في حاجة إلى الليل يولد من النهار، الاله جانيوس بوجهين، وجه نور ووجه ظلام." فالنهار الحقيقي يضيء على أرضية من الحلم مثلما يشع الحلم على أرضية من الليل" فلليل وللنهار أبواب تفتح وتغلق بالحلم. و"عبر الجفون المغمضة، فإن المرئي؛ الحلم يصدُّ النهار ويشجب بكل منطقه الخاص النظام الخارجي للرؤية" كما يقول جان بيير ريشار. يسمى الإله جانيوس، إله الأبواب، أي إله الضياء الذي يفتح الحلم، عبر امتزاج الضياء بالظلام، هذه الحال المابينية، هي الحالات الأكثر مشروعية لولادة الأشياء المتخيلة.
يعد جانيوس اقدم آلهة روما إنه إله التحول والعبور، إله الأبواب. فالأبواب ممرات بين عالمي الداخل والخارج، فلقد كان للشهر الأول من العام مخصص له، كما كان اليوم الأول من الشهر مخصصاً له ومن شأنه أن يتدخل في بداية كل مشروع وأن يوجه كل ولادة. وأما وجهه المزدوج فإنه يعني أنه يحرس المداخل والمخارج، وأن يرى الداخل والخارج، واليمين والشمال، والأمام والخلف، والأعلى والأسفل، والذي لك والذي عليك، إنه مثال اليقظة المطلقة الهيمنة التي لا حدود لها". ويمثل الباب في المثيولوجيا عضوًا جنسيًا فرعيًا يُعلن عن الباب السفلي، وهو يعمل بوصفه دهليزًا يسكِّن بالقبلات التي يسخو بها حتى حين الدافع الجنسي لدى الآخر. يضحك ويبكي، يتحدث بمفرده مثل باب يريد أن يكون مستقلًا عن بقية الجسد، لكنه يستغيث من دون توقف" الباب مقاربة اثنولوجية ص 352.
لا تقف فكرة آلهة الأبواب عند المثيولوجيا اليونانية، فلدينا حصيلة معرفية من حياتنا الشعبية، ومنها أبواب السماء التي تفتح للمحتاجين، خاصة في شهر رمضان، لكل حاجة باب يفتح في السماء، هذه المثيولوجيا تشتغل أحيانا خارج المقدس، عنما تكون الحاجة حقيقية، وفي القرى تعتمد ابواب السماء كما لو كانت ابواب البيوت المفتوحة، فالأبواب المغلقة كالنوافذ المغلقة التي لم يكتب بودلير قصيدة عن النافذة المفتوحة، فقد يفضح انفتاحها كل شيء،أما الباب المغلق،النافذة المغلقة، فيمكنك أن تتأمل ما خلفها من عوالم متخيلة، الشعرية هنا في المتخيل، أنه الحلم الذي يتحقق في الضوء المتخيل، القصيدة الشعرية المحلقة في التأويل هي تلك التي تكتب عن الاشياء المختفية وراء الأبواب والنوافذ، لأن النص سيكون هو الباب الذي يدخل إليها عن طرق غير طريق الأبواب الواقعية،ودائما ترد د نساء القرى في اشتداد المصائب "اكو باب للفرج" الفرج لايأتي من أبواب مفتوحة، بل من أبواب تفتح بعد الدعاء، وفي رمضان تكون السماء في ليلة القدر في المثيولوجيا الشعبية مفتوحة، بعدما كانت طوال الشهر مغلقة، وانفتاحها يعني انها استجابت لما مضى من أدعية وطلبات.
في مسرحية الكاتب المتميز فلاح شاكر"ألف أمنية وأمنية" ثمة أبواب تفتح ليلة القدر من أجل تلبية طلبات الفقراء، ومن الطلبات الساخرة والغرائبية ما يطلبه بطل المسرحية من الله أن يتمكن في ليلة القدر من أن التغلب على زميله بلعبة الطاولي، لأنه دائمًا يكون خاسرًا باللعب معه. أمنيات صغيرة سيفتح الله بالتأكيد لها أبواب السماء، كتلك التي تطلب زوجة الصياد في قصيدة القرصان لسعدي يوسف من البحر أن يعيد زوجها إليها المسافر للصيد إليها. فكما للسماء"العليا" أبواب، يكون للبحر"السفلي" أبواب أيضًا تفتح.