رزاق عداي
ورقة الاصلاح الاقتصادي التي وعد بها وزير المالية العراقي البرلمان، من المتوقع ان تكون اجراءات جزئية، ولا تمس البنى الهيكلية للاقتصاد العراقي؛ لأن ازماته ذات طابع بنيوي، ليس وليدة الظرف الراهن المتمثل بتفشي وباء كورونا وانخفاض اسعار النفط، فمشكلات هذا الاقتصاد قديمة، ولكنها ظلت تتفاقم متعاقبة، وصولا الى الاختناق المالي الاخير الذي تجسد في الفشل بتأمين رواتب الموظفين والمتقاعدين.
فمن مقدمة بسيطة وضرورية، نلمس ترابط الاختلالات متواشجة مع بعضها، منها وهذا من سوء الحظ، فبدلا من أن يكون العائد النفطي عاملا مهما في بناء اقتصاد متنوع ومتين، صار يشكل مصدرا وحيدا كإيراد ريعي، إذ شكل 94% في العام 2018، مما أنتج خللا تجاريا في الميزان التجاري مع البلدان الأخرى، كما أنه وبالاعتماد على هذا الريع تقلص الانتاج الصناعي والزراعي في الناتج المحلي الاجمالي، مما أدى بدوره الى انخفاض في الطلب على العمل، وزيادة في عرض العمل، وتسبب هذا في رمي جيوش من البطالة خارج النشاط الاقتصادي لتسبح في بحر من البطالة بنسبة تتراوح بين 20 % الى 30 % حسب مصادر رسمية.
مشاكل العراق توصف بأنها تاريخية، لأننا لو تيسّر لنا أن نؤرخ العهد الجمهوري، كبداية للاستقلال الاقتصادي، فلم نلمس اي توجه ستراتيجي متمثل في خطط تنموية جادة، تخلق قاعدة تحتية رصينة تتوازى مع العائد النفطي، ما لم تتقدم عليه، في تشكيل الدخل القومي، وتعمق هذا النهج الاقتصادي بعد 2003، بعد تدمير البنية التحتية الاقتصادية تماما، وإخراج القطاعين الصناعي والزراعي من الدورة الانتاجية، اذ اصبح العراق معتمدا على العائد النفطي فقط، واخفق حتى في تأمين الحاجة من الطاقة منه، مستوردا المشتقات النفطية من دول الجوار.
ليس من المنتظر أن تكون ورقة الاصلاح، اكثر من اجراءات تشريعية، لاتمس النشاط الاستثماري، فالأزمة الاقتصادية المتفاقمة في العراق ذات طبيعة نقدية بامتياز كنتيجة لسوء ادارة للمال العام متمثلا في مال عام بلا حماية، وفساد مشرعن، وفساد آخر أشد ضراوة يتفشى في مفاصل الدولة، كازدواج الرواتب، ومخصصات خيالية، وامتيازات عديدة، لذلك فإن الورقة الاصلاحية المنتظرة تستهدف بالدرجة الاولى السيطرة على العجز المالي في موازنة الدولة، وبالدرجة الاولى مواجهة العجز في الرواتب، والذي يمول الآن بصفة خاصة عن طريق الاقتراض من الجهاز المصرفي، فالاصلاح يستدعي اتخاذ الإجراءات الفعالة لزيادة الايرادات العامة، وترشيد الانفاق العام.