قوة الشائعة وضعف الوعي

آراء 2020/10/10
...

 سلام مكي
 لا أحد ينكر الخدمات الكبيرة والجليلة التي قدمتها وسائل التواصل الاجتماعي في الكشف عن كثير من القضايا والخفايا التي لولا كشفها لكانت في غياهب النسيان، والنتيجة هي وضع حد لها من قبل الجهات المختصة أو تحولها إلى قضايا رأي عام، ساهم المجتمع والرأي العام في تصحيح المسار واعتماد القانون والحكمة في معالجتها. فكم من الممارسات والجرائم كشفتها وسائل التواصل الاجتماعي، وكم من الممارسات التي لولا منصات الفيس بوك وغيرها من المواقع، لما تمكنت الجهات القضائية والتنفيذية من التوصل لخيوطها وكشف فاعليها. لكن بالمقابل، هناك مساوئ ومشكلات، ومحن، تسبب بها الفيس بوك وتويتر ... المشكلة الأساس، هي الشائعات، التي لها أهمية كبيرة في توجيه الوعي وحرفه عن الحقائق. اليوم، أصبحت الشائعة هي التي توجه الرأي العام، وهي التي تخلق رأيا للجمهور، عبر بث أخبار تفتقد إلى المصداقية والدقة في الطرح، لأهداف وغايات معروفة ومعلومة للجميع. ويبدو أن الأمر لا يقتصر على صفحات خاصة أو أفراد يبثون الشائعات عبثا، بل أصبحت الصفحات التي تورد الأخبار المزيفة كثيرة وتمارس عملها باحترافية عالية، وهو ما يدل على أنها ممولة من جهات لا تريد خيرا للعراقيين.  الشائعة تجد موطنا لها في الأماكن التي تشهد غيابا للوعي والثقافة الرصينة التي تحصن صاحبها من الخرافة والجهل والشائعة.. وبرغم توسع دائرة الاخبار الكاذبة وتحول الشائعة الى ثقافة افتراضية بل وحتى واقعية، وامتلاك أصحابها القدرة على الاقناع والتأثير في المتلقي، لا توجد مقابلها جهود حقيقية، تسعى لمحاربة الشائعة، لا رسمية ولا شعبية، عدا بعض الصفحات التي تطوع أصحابها لتعرية الأفكار المزيفة والأخبار الكاذبة، وهي جهود طيبة ولكنها لا تصمد أمام الكثرة والقوة التي يتمتع بها أصحاب الصفحات الممولة التي تبث وتنشر الأخبار الكاذبة. المثقف بدوره، لم يعد يمارس وظيفته التي رسمتها له الثقافة ورسمها المجتمع، والظروف التاريخية والاجتماعية التي رافقت ظهوره كمصطلح وكفكرة، بل هناك مثقفون، انخرطوا في ترويج الشائعة ونشرها عبر صفحاتهم الشخصية، وحين يتبين كذب تلك الأخبار، قد يبادرون إلى الاعتذار، وهناك من يصر على صحة ما نشره. خطورة الشائعة لا تكمن في أنها تقف عند حدود التواصل الافتراضي، بل هي تمتد إلى الواقع، وتسعى لخلق جو عام، قائم على الكذب والخرافة، لحرف المجتمع عن قضيته الأساسية، ومعرفة ما يدور حوله .