مخلوقات فاضل العزاوي الجميلة نموذج يوحي بالقول المصمم كوقائع لغويَّة، فلسفيَّة واستعماليَّة وفرديَّة تلائم التواصل الإشاري. لننظر: [تقدم خطوات في الشارع الـموحل. هـل يـمـكـن لـلدم أن يفتح نهار الحرية؟ تقدم خطوة. حدق في طفل ساكن، ضربة واحدة وهـدأ الطفـل الى الأبد ليصبح قضية.. لا بدّ من ممارسة نمط معين من الحيل الصغيرة لجر المخلوق الضئيل جانباً، سار تبعه الطفل بهدوء التفت مرة أُخرى، ولم يجده، وفكر بعار إن كان يستطيع حقاً تجميد هذه البراءة الى الأبد] ـ مخلوقات فتظل العزاوي الجميلة، ص.30، 31.
يقوم الروائي فاضل العزاوي بوصف حدثي ومكاني موارب مازجاً بين القضايا الكبرى (الفلسفية) والقضايا النوعية كحال الطفولة والقضايا الفرعية (الذاتية ـ الشخصية) ويعتمد بذلك على طبيعة البنى الروائية، على الرغم من تحولها، (رئيسة فرعية)، ثم فرعية من فرعية مثلما هي الظاهرة اللغوية، وفي التكون السردي لرواية مخلوقات
فاضل العزاوي الجميلة، نرى ان الرواية تُطرح ـ بلغة إشارية واصفة ـ
قضايا كبرى في الفلسفة الوجودية، منها تحقق الحرية الكاملة من خلال الأفعال البشرية الكبرى، كالقتل وتجاهل الإدانة الجماعية لها. إنَّ للرواية روحية عدم مثالية، إذ طرح هذا التوجه بدرجة متفاوتة من البث، فالبطل شخصية مسحوقة لكنه يحاول سحق الطفولة، ولا يدين سفك الدماء من أجل الحرية، ويتشبث بتصميم شخصية الفاعل البطل للأحداث.. وقد تتفرع فلسفية الوجود الى فلسفة جمالية لغوية لفروع اجتماعية يمثلها المحيط الذي يتحرك في إطاره الفعل الإنساني، المعني بالطفولة كقضية نوعية مرهونة بـبراءة وجمال الطفل بإزاء قسوة (البطل الوجودي)، وهذه قضية تحتاج الى تبريرات روائية كاصطناع المواقف والأحداث ووصف المكان، وتغيير درجة الحركة الزمنية روائيا بما يلائم طفولة وجمال الكائن المخلوق، لقد جُعل من وجودية الطفل وتردد البطل ممارسة لطقس روائي يحيل الى أن العقل الروائي يسوغ فنية القول بفنية حركة الحدث، اما قضية الخلاص الفردي، فتكاد ألّا تبين إلاّ من خلال المحاورة الفردية الذاتية حـيـث يـعـدّ الـبـطـل نـفـسه لمهمتين، القيام بالقتل، والتأسف اللا مجدي.
هذه النزعة ستكبر في ما بعد لتحتل المساحة المعكوسة، أي تصبح قضية كبرى وتنسحب القضايا الكبرى الى المرتبة الثانية من الاهتمام السردي للوصف الإشاري.. لنلاحق نصا آخر تحتل القضية الفرعية فيه مستوى نوعياً أعلى في الوصف. [ذات يوم نهض موسى بن أحمد/ عام 1914 وانضم الى الجيش العثماني الذاهب الى القتال ./ عام 1916 قتل من الخلف وهو فوق جواده لأنه قاوم الخيانة/ عام 1917 قاوم الجندي الشجاع موسى بن أحمد حتى الطلقة الأخيرة.
مات على الحدود الروسية/ لم يدفن وفق الطقوس الدينية/ ربما لم يدفن إطلاقاً] ـ مخلوقات فاضل العزاوي الجميلة، ص62
في المقطع أعلاه تحتل لغة الوصف من المرتبة الثانية، النوعية أو الوسطى المرتبة الأولى في السرد، فقد وضع هم الحرب والدفاع كقضايا اجتماعية أساسية، حدوداً ومساحة للعرض تجعلها قضايا كبرى، ولكن بلغة إشارية غير فلسفية ليبين أن مثل هذه القضايا وما يظهر من نتائجها تحتاج للإشارة اللغوية الواصفة التي تخص الحدث الاجتماعي، أكثر مما تحتاج للبلاغة اللغوية . بينما يضع القضايا الأخرى دون هذا المستوى، هذه القضايا هي المتعلقات الحدثية للسنوات 1914، 1916، 1917، تلك سنوات الشجاع موسى بن أحمد في الحرب العالمية الاولى وما بعدها، اما القضية الفلسفية فقد وضع لها اعتبارين منزويين يكادان أن يُضمرا، تحت ضجيج الأحداث الموجعة، هما:
ـ القتل من الخلف، أي استباحة الشرف العائلي .
ـ الدفن ليس بطريقة الطقوس الدينية، فالدفن للشهيد يكون بدون تغسيل، ويعني هذا أن الجندي لم يكن شهيداً مثلما يتمنى الراوي على الرغم من أنه قتل في الحرب. وقد تكون الإشارتان مرتبطتين بماض متصور للبطل العدمي. ولعدمية اللامتناهي مكان.
[ها أنا ذا في كهفي الزجاجي أنتظر قاتلي الذي قد يجيء كريح من البحيرة/ العالم موحش والأيام تعاش لـكي يـكـون هناك تاريخ يمكن التحدث عنه/ لقد كنت الشبح المتأمل في جمال الأسابيع عن الحلم/ الإرهابيون الذين قتلت أجدادهم يتقدمون نحوي/ أعشاب باردة خضراء تتسلق جدران الأفق/ كانوا يتقدمون بصمت وحسن نية لـمجابهة الحيوان العالِم/ كائن وحيد بين الأنصاب/ سوف أُشنق بدون محاكمة] ـ مخلوقات فاضل العزاوي الجميلة، ص94
إنه إذاً العالِم الشبح الراوي اللامتناهي، خالق المدن الحجرية، صائغ المدن المدمرة، الفرد الإشـاري العظيم، أُعطيت له مهمة فنية رئيسة هي الروي، كونه محايداً لا يهتم بقضايا المجتمع الوسطى ولا القضايا الفلسفية الـعُليا، بل أنه وضع نفسه محوراً كليّاً للروي، بمعنى أن لغة الوصف المتخصصة بفروع فروع اللغة،هي اللغـة التي تخـص الفرد.