هل نوبل تصنع شاعراً كبيراً أم العكس؟

ثقافة 2020/10/11
...

 باريس: د. جواد بشارة 
 
كنت من بين الكثير من المثقفين العرب الذين كانوا يتمنون فوز شاعرنا الكبير أدونيس بجائزة نوبل للآداب، ولكن حسابات الأكاديمية السويدية لديها اعتبارات أخرى، فالجائزة الوحيدة التي منحت لكاتب عربي هي للروائي المصري نجيب محفوظ وكأن العالم العربي لا يمتلك المبدعين الذين يستحقون هذه الجائزة.
 
امتدادات اسطوريَّة
لم أتفاجأ بمنح جائزة نوبل للآداب لهذا العام للشاعرة الأميركية لويز غلوك البالغة من العمر 77 عاماً التي نالتها للعام 2020 لأنني أعرف من هي هذه المبدعة ومطلع على نتاجها باللغة الانجليزية ولم أقرأ ترجمات لها باللغة العربية حتى الآن، وكنت أعشق أجواءها وعوالمها التي تتفاعل مع مواضيع هشاشة وحساسة كالطفولة والحياة العائلية وامتداداتها الأسطورية، ولقد أشارت الأكاديمية السويدية في قرارها منح لويز غلوك الجائزة لما تملكه من صوت شاعري مميز يضفي بجماله المجرد طابعاً شمولياً يغلف الوجود الفردي للإنسان. 
 
أستاذة الأدب
ولدت الشاعرة لويز غلوك في نيويورك سنة 1943 ودرست الأدب في جامعة كولومبيا، تجدر الإشارة إلى أن لويز غلوك هي أستاذة الأدب الانجليزي في جامعة يال بمدينة كمبردج، وتعتقد الأكاديمية السويدية أنها تستحق الجائزة لجدارتها وكانت قد أصدرت ديوانها الأول سنة 1968 تحت عنوان الوليد البكر «وأعقبته بدوواين أخرى مثل انتصار آخيل وبين الأهوار والسوسنة البرية وأرض المروج . كما كتبت النقد الشعري في المجلات والجرائد الأميركية ونشرت كتابا في ذلك تحت عنوان» براهين ونظريات شعرية» الذي جمعت فيه مقالاتها وبعض محاضراتها حول الشعر. يحتوي شعرها على مسحة من الحزن والعزلة الشخصية، وأكاد أقول إنها تكتب سيرتها الذاتية شعراً. فغالباً ما تفوح قصائدها بحوادث مستوحاة من تجربتها الشخصية، وهي نادراً ما تتقيد بالقافية والشعر الكلاسيكي وتركز على مواضيع وجودية كالموت والرثاء والخسارة والرفض وفشل العلاقات وكافة المتناقضات الحياتية التي تعكس علاقتها المتناقضة مع السلطة والأخلاق واللغة التي تثور عليها لأنها تشعر بأنها تقيدها.
 
الأسطورة الإغريقية
ولاهتمامي بالأساطير العالمية في ثنايا بحثي الوجودي والعلمي الكوني، تأثرت جداً بديوانها الذي نشرته سنة 1966 تحت عنوان أفيرنو الذي يسحبنا نحو تفسيرها الرؤيوي لهبوط بيرسفون إلى الجحيم عندما كانت أسيرة لدى هاديس إله الموت في الأسطورة الإغريقية، تتناول غلوك في أشعارها العلاقات الأسرية المتوترة والمؤلمة على نحو مباشر وصريح يخلو من الزخرفية الشعرية. وهي تدعو إلى إحداث تغييرات جذرية في طبائع الناس والاتجاه نحو ولادات جديدة عبر التجارب الذاتية والنقد الجارح للنفس والعلاقة مع الآخر. هي رائدة في الشعر النثري ذي الطابع الروائي يستمد أسلوبه من الذكريات والرحلات التي تطوف العالم وتدعوه للتحرر من الأغلال. تقف لويز غلوك دائماً بين الحدود القصوى للمتناقضات الحياتية عبر صورة صادمة وجاذبة في آن واحد، من خلال النقلات الشعرية المباغتة، لكنها مصاغة بدقة ودراسة تحترم الإيقاع الشعري للتخفيف من سطوة البعد الفلسفي والأسطوري الميتافيزيقي السائد في قصائدها.
 
الحب والكراهية
ومع ذلك لاتخلو أشعارها من تماهي مع الموت والحياة والحرية والحب والكراهية والهيام بالطبيعة من خلال الصور الشعرية المجازية والتورية الشعرية، يسحرها ويجذبها ويفتنها اللامرئي واللامكان والذي لايقال والمخفي عن المشاهدة ونعرفه بالإيحاء الصامت والانجرار نحو القوة الكنية اللانهائية التي يبحث عنها البشر ويرنو إلى تسخيرها، رغم أن ما نعرفه عن الكون يكاد لا يذكر أمام ما نجهله عن هذا الكون، الذي ترحل في ثناياه على غرار القطب الصوفي الذي يرى الكون دون يتحرك من مكانه ويطرح رؤاه الأسطورية عنه وأحياناً النغمة التنبؤية التي تبدو ملتبسة على القارئ، لكنها تمنح النص نوعا من التجديد، كما صاغت الشاعرة العديد من القصائد الغنائية ذات النبرة الصارمة وهي بعيدة عن البصمة الهوياتية فهي ليست شاعرة أميركية بل فقط شاعرة فحسب لا أكثر كما تقول.