بشجاعة نقدية ليس لها أن تكون لدى غيره، حرص الدكتور علي جواد الطاهر على منع اغتصاب اللغة سلطويا؛ إذ طالب رواد الشعر الحر بقليل من الإبهام والابتعاد عن الوضوح، ونفى قدرة بعضهم على ذلك؛ ونرى في ذلك محاولة لإنقاذ الشعراء من الانكفاء الذاتي فنيا، والاكتفاء بالوضوح مفضلين الموضوع على البناء الفني، والتقرّب من السلطة على حساب جودة
القصيدة.
لذلك نراه يشير بوضوح للشعراء من زاوية علاقتهم بالسلطة فيقول: (فمن من الشعراء يا ترى سيكون المنتظر؟، من الصعب أن يكون بلند لأنه اكتمل في نسق نظمه، ومن الصعب أن يكون شاذل لقوميته، ومن الصعب أن يكون البياتي لأنه لا يجد المثل إزاءه، وتعده ضآلة لغته الأجنبية إلى الاطلاع المطلوب غير ما هو من اتجاه سياسي و «ثقافة جديدة» وسباق إلى المركز السياسي الذي يرفع اسم صاحبه شعبيا آنذاك).
وكلام الطاهر - دون أدنى شك - يمثل شجاعة النقد، ففي الوقت الذي يعمل فيه الناقد والشاعر لخدمة السلطة، في مهرجان كالمربد في عام 1985، أقامته السلطة لتكثف الدعم العربي والإعلامي لدعم السلطة في حربها مع إيران، يسمي الدكتور الطاهر الأشياء بأسمائها، ويجعل الهاجس السياسي والسلطوي سببا لتدني مستوى الشاعر، وهو الواضح في استثنائه شاذل طاقة «لقوميته»، ذلك لأن الفكر القومي الذي يريده البعث هو فكر السلطة، والسلطة تريد القصيدة الواضحة؛ ومثله استثناؤه البياتي، وهذا الأمر يقف عائقا في طريق الشاعر الذي يراد منه أن يكون مبدعا ذا بصمة منفردة وواضحة.
ويشير الدكتور الطاهر إلى الانتماء الحزبي لرواد الشعر الحر، وأثره في شعرهم، فيقول: (من طبيعة هذا الانتماء ـ على مر الزمن، ومنذ أن كان ـ أن ترد لدى الشاعر المنتمي مفردات من الحزب الذي ينتسب إليه، ويعتنق
مبدأه.
ومشهور من بدر أمر شيوعيته، وكان طبيعيا أن ترد لديه مفردات الحزب وشعاراته: ولكن الملاحظ أن ذلك جاء معتدلا وأقل من المعتدل)، وهو تشخيص يميز السيّاب بأن مفردات السلطة لم تدفع بشعره إلى التخلي عن الفنية، واللجوء للوضوح، فضلا عن أن جمود الكلام الحزبي يحط من فنية الخطاب الشعري.