عبدالسادة البصري
في أيام طفولتنا وصبانا التي قضيناها في تلك القرية الجنوبية الوادعة عند تخوم البحر ــ ناحية الخليج العربي في جنوب الفاو، كنّا نعرف العربات (سيّارات الأجرة والحمل من التاكسيات والباصات) بأسماء سائقيها، وهم لا يتعدون عدد أصابع اليدين. باص صمد لوفان الذي ينقل الركاب بين مركز القضاء ورأس البيشة وبين القضاء ومركز المحافظة أيضاً، وتاكسي أيوب أبو هشام الــ 59 جنح، ولوري الحاج طه، وهكذا. كانت عربات النقل تتكون من باصات مرسيدس أبو عرّام، وباصات خشب، وتاكسيات 56 و59 شوفرليت وفولكا وغيرها.
وكنت تجد الشارع غير مزدحم أبداً فبين آونة وأخرى تمرّ سيارة، لم يكن هناك ازدحام أبداً، بل لم تكن هناك تجاوزات على أي شيء، مثل الشوارع وأماكن التوقف والعبور والانتظار والمرائب، الكل يحترم البعض والبعض يحترم الكل في مهنتهم التي أساسها الفن والذوق والاحترام. وحين اشتعلت نار الحرب العراقية الإيرانية ونزحنا الى مركز البصرة، لم تكن هناك سيارات كثيرة أيضاً بحيث نقطع المسافة بين 5 ميل والعشّار في أقل من ربع ساعة!
اليوم وبعد انفتاح الحدود دخلت أنواع من السيارات الخاصة والعامة بلادنا بطرق شرعية وغير شرعية أثقلت كاهل شوارعنا، التي لم يطرأ عليها أي تغيير أبداً منذ سبعينات القرن الماضي وحتى هذه اللحظة!
سيارات أميركية ويابانية وكورية وألمانية وفرنسية وإيرانية، دخلت عن طريق المستوردين والشركة العامة للسيارات ومنافذ أخرى وسببت الكثير من المشكلات والأزمات، إضافة الى شاحنات البضائع، التي تملأ الشوارع الخارجية والداخلية، مسببة إرباكا في السير وحوادث مرورية أودت بحياة الكثير.
صرنا لا نستطيع الوصول الى أماكن عملنا إلاّ بشقّ الأنفس، ونقضي وقتاً طويلاً يتجاوز بداية الدوام الرسمي بسبب الازدحام الشديد وصعوبة السير، بسبب افتقارها للشوارع الخاصة ولنظام المرور الخاص كما في جميع بلدان العالم.
ففي بلدان العالم يكون عدد السيارات موازيا للشوارع لكي تستوعبها، حيث تقوم الحكومات بفتح شوارع جديدة وبناء مجسّرات وأنفاق لمرور العربات، لتخفيف الازدحام والحد من إرباكات السير، اما نحن فلم نقم بفتح شوارع جديدة، لكن أدخلنا كل موديلات السيارات حتى التي لم تنزل للسوق بعد، وقمنا بإنشاء مجسّرات وأنفاق، لكن تركناها غير مكتملة وأربكنا السير وخلقنا أزمات مرورية أكثر مما كانت.
إذا أردنا حل هذه المشكلة فعلينا أن نضع دراسة جادّة للحدّ من الازدحام والإرباكات المرورية وحوادث السير، لكي تستوعب شوارعنا العربات التي تسير فوقها.