سياسة خارجيَّة عراقيَّة متوازنة

آراء 2020/10/13
...

 محمد كريم الخاقاني* 
 
 
 
تعدُّ السياسة الخارجية لكل دولة انعكاساً لأوضاعها داخلياً، فكلما كانت الدولة مستقرة من الناحية السياسيَّة والأمنيَّة. 
كلما كان ذلك مؤشراً جيداً لاتنتهاج سياسة خارجيَّة لها والتعامل مع غيرها من الدول في إطار احترامٍ متبادلٍ لأسس إقامة العلاقات الوديَّة بين الدول.
 فضلاً عن عدم التدخل في الشؤون الداخليَّة، وهذا ما كفلته القواعد القانونيَّة والأعراف الدوليَّة بهذا الخصوص، ومن هنا نرى بأنَّ لكل دولة، الحق في إقامة العلاقات مع من تشاء من الدول الأخرى بشرط ما تم ذكره آنفاً.
فالعراق منذ انتهاء حربه العسكريَّة مع عصابات داعش الإرهابيَّة، يسعى الى انتهاج سياسة خارجيَّة متوازنة، تحقق له أهدافه مع محيطه الإقليمي وتبعده عن الصراعات الدائرة في تلك المنطقة، فمن الأفضل هنا أنْ يبتعد العراق عن سياسة المحاور والوقوف بجانب طرفٍ على حساب
آخر.
 وهذا باعتقادي يوفر مساحة كافية للتحرك واستعادة رونق الخارجيَّة العراقيَّة من جديد، فالعراق بحاجة الى ترميم علاقاته مع الدول وبما يؤمن مصالحه، فكل علاقات العالم قائمة على أساس تبادل المنافع والمصالح، ولا يشذ العراق عن تلك العلاقات.
 وبالتالي ينطلق العراق من رؤية في سياسته الخارجيَّة مفادها التوازن في إقامة العلاقات والتأسيس لدورٍ جديدٍ في سياسته الخارجيَّة تقتضي الانفتاح من جهة على دول العالم، والتوازن من الجهة الأخرى.
ومثلما كان الوضع بعد صدمة داعش وما تلاه من احتلال لثلثي مساحة العراق في سابقة تاريخيَّة ومهددة لشكل الدولة الوستفاليَّة ومحاولات بعض الدول السير في طريق إضعاف العراق أكثر وأكثر. 
فكانت الدبلوماسيَّة العراقيَّة على قدر المسؤولية وتحمل الصعاب وأخذت على عاتقها الانفتاح أكثر على دول العالم وضرورة توضيح الرؤية العراقيَّة بحقيقة الوضع العراقي من الداخل والاستعداد لمعركة ضارية مع عصابات القتل والتكفير الداعشي. 
ونجحت في تحشيد الدعم والتآزر الدولي لقضيته الوطنيَّة، وبالفعل نجحت الدبلوماسيَّة العراقيَّة في جذب انتباه العالم بأسره الى حقيقة ما جرى في العراق، وهو ما ساعد فعلياً في القضاء على تلك المجاميع الإرهابيَّة والنصر عليها بفعل تعاون دولي قل نظيره في الوقت الحاضر. 
إذ توحدت الرؤية العالميَّة للخلاص من براثن داعش الجاثمة فوق الأرض
 العراقيَّة.
ومن هنا ابتدأت قصة النجاح الدبلوماسي العراقي في تبديل النظرة السابقة للعراق في المحافل الدوليَّة وتمكنت من شغل مناصب قياديَّة في المنظمات الدوليَّة نتيجة الجهود الدبلوماسيَّة التي بُذلت من أجل تحقيق المنجز الدبلوماسي وهذا لم يكن ليتحقق لولا الإصرار والتفاعل العراقي. 
ومرة أخرى تستلهم الدبلوماسيَّة العراقيَّة جهودها وإمكانياتها من جديد لتحقيق ما تهدف الوصول إليه، فكل دولة لديها أهدافٌ سواء على المستوى القريب أو المتوسط أو البعيد، وهو ما يشكل حركة الدبلوماسيَّة العراقيَّة، فالنجاح العراقي الحالي يتمثل في انتهاج طريق التوازن في إقامة العلاقات الخارجيَّة مع الدول. 
فالعراق أصبح محط اهتمام العالم وذلك عبر كسب وده من قبل الدول وتعزيز علاقاتها معه، وتعكس الزيارات الرفيعة المستوى لبعض المسؤولين الى العاصمة بغداد، مدى الاهتمام الدولي بالعراق، ومن هنا كانت الدبلوماسيَّة العراقيَّة تسير بخطوات مدروسة ومحسوبة لتحقيق الأهداف العراقيَّة على المستوى الخارجي.
فلقد نجحت في تحقيق بعض ما تأمل الحصول عليه عبر الحوار الستراتيجي العراقي الأميركي بجولتيه الأولى والثانية، وتمخضت مجموعة مهمة من الاتفافيات الثنائيَّة في المجالات العسكريَّة والاقتصاديَّة والأمنيَّة مع الجانب الأميركي.
ونستطيع القول إنَّ الدبلوماسية العراقية تسير نحو صناعة نجاحات في سياستها الخارجيَّة القائمة على التوازن في إقامة العلاقات مع الدول، ولذلك انتهج العراق سياسة واقعيَّة على المستوى الخارجي آخذة بنظر الاعتبار ضبط بوصلة علاقات العراق وبما ينسجم مع الرؤية الجديدة للسياسة الخارجيَّة الجديدة. 
وبما يعود بالنفع العام عليها، فالعراق وفقاً لتلك المنطلقات قد حقق أهدافه الخارجيَّة في ظل توتر أوضاع المنطقة.
 
* أكاديمي وباحث في الشأن السياس