ماذا لو أغلقتْ واشنطن سفارتها في بغداد؟

آراء 2020/10/13
...

  د. قيس العزاوي

منذ أن نشرت جريدة "واشنطن بوست" تهديد الخارجية الأميركية بأنها ستغلق سفارتها في بغداد إذا لم تتمكن الحكومة العراقيَّة من وقف قصف الجماعات المسلحة للأهداف الأميركية، والتعليقات العراقيَّة والعربيَّة والدوليَّة لم تتوقف.. فقد أثار التهديد ذعر العديد من القوى والجماعات المرتبطة بالسياسة الأميركية، بينما عدته أقلامٌ أميركية قراراً متعجلا وغير قابلٍ للتنفيذ.

بعض التعليقات العربيَّة أشارت الى اتصال وزير الخارجيَّة الأميركي مايك بومبيو برئيس الجمهورية العراقيَّة برهم صالح وبرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي وتهديده بمغادرة طاقم سفارته في بغداد، وربما قواته واعتبرته يتجاوز حدوده الدبلوماسيَّة، فما حقيقة الانسحاب وما هي تداعياته الميدانيَّة لو حدث؟
تعدُّ السفارة الأميركيَّة في بغداد الأكبر بعشر مرات من أي سفارة أميركيَّة في العالم ومساحتها أكبر من مساحة دولة الفاتيكان، وتحوي 21 بناية، تتخللها طرقٌ سريَّة ودهاليز وخمسة مداخل أمنيَّة مشددة، ومدخل طوارئ، وفي شوارعها مطاعم ومتاجر ومدارس وصالات السينما وحمامات سباحة، وصالات رياضيَّة، وملاعب كرة سلة وكرة قدم ومحطة إطفاء وأنظمة إنتاج الكهرباء ومعالجة النفايات، ونظام لإدارة مياه الصرف الصحي، وبحوزتها وسائل اتصالات متطورة. صُممت كحصنٍ مضادٍ للقنابل البيولوجيَّة، وزُودت بنظام تنقية الهواء من أي هجوم كيمياوي أو بيولوجي.
يصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب على حسابه في تويتر، قوات حماية السفارة قائلاً: "تم إرسال أفضل المقاتلين، برفقة المعدات العسكريَّة الأكثر فتكاً في 
العالم"!
ويرى المراقبون بأنَّ السفارة تحولت الى قاعدة عسكريَّة بعد أنْ نصبت منظومة دفاع جوي متوسطة المدى ومخصصة للتصدي للصواريخ والهاونات واطئة الارتفاع، وهو انتهاكٌ للأعراف
 الدبلوماسيَّة.
يعدد ديفيد بولوك الباحث الخبير في معهد واشنطن ثمانية أسباب لحاجة الولايات المتحدة والعراق إلى بعضهما البعض، من بينها أنَّ العراقيين يفضّلون نظاماً ذا سيادة يوفر السلم الأهلي والتعدديَّة ومندمجاً في المجتمع الدولي. ويعتقد بولوك أنَّ الوجود الدبلوماسي والعسكري الأميركي يساعد في تعزيز ذلك.
ويضيف: الأميركيون بحاجة إلى مكانة العراق الجيوستراتيجيَّة والسياسيَّة، كما أنهم بحاجة أيضاً لنفط العراق باعتبار أنَّ العراق من كبار المصدرين للنفط، ويملك احتياطيات ضخمة. ويخشى الطرفان العراقي والأميركي من عصابات داعش الإرهابية التي ما زالت تهددهما، إذ قام التنظيم الإجرامي بتنفيذ 867 عملية إرهابيَّة داخل العراق وحده، ويملك - حسب الأمم المتحدة - احتياطياً نقدياً يقدر بـ 300 مليون دولار. إنَّ أميركا تجازف بتكرار أخطاء عام 2011 حين أدّى الانسحاب المبكّر لقواتها إلى صعود داعش.
بينما عدَّ مايكل نايتس من معهد واشنطن أيضاً ولكنه باحث يعمل بالتعاون مع قوات الأمن في العراق منذ العام 2003، أنَّ العلاقات بين الولايات المتحدة والعراق على مفترق طرق، وذلك لعجز الحكومة العراقيَّة عن ردع الجماعات المسلحة التي تستهدف الوجود الأميركي في العراق. ولكنَّ نايتس يصرُّ على استمراريَّة الوجودين الدبلوماسي والعسكري الأميركي في العراق.
وبتقديرنا فإنَّ أغلب الباحثين وصناع القرار الأميركي لا يوافقون على تهديد ترامب وإدارته بالانسحاب ولا يعدونها جدية وذلك لما ستسببه من تداعيات كارثيَّة على السياسة الأميركيَّة الشرق أوسطية ومنها:
أولاً: غلق السفارة سيكون هزيمة سياسيَّة كبيرة لواشنطن والانسحاب العسكري سيكون انتصاراً لإيران.
ثانياً: الانسحاب يعني بنظرهم زيادة فعليَّة لسيطرة إيران على موارد الطاقة والموارد الماليَّة الضخمة.
ثالثا: سوف يعزز الانسحاب الأميركي مخاوف الأردن من مصداقيَّة الولايات المتحدة.
رابعاً: سيشكل الانسحاب تهديداً مباشراً للأمن الإسرائيلي. إذ إنه سيمنح إيران حريّة الحركة في العراق، وستصل عبر سوريا إلى حدود إسرائيل. وستضطر إسرائيل لتكثيف عملياتها العسكريَّة في العراق.
خامساً: قد تضطر واشنطن لفرض عقوبات على بغداد وعلى مجموعة من السياسيين ورجال الميليشيات وقد تتخذ تدابير عسكريَّة وأمنية "وقائيَّة" لحماية قواعدها.
تلك هي بعض تداعيات غلق السفارة الأميركية أو الانسحاب التي يسجلها صناع القرار الأميركي، ويعلم الجميع بأنَّ مجرد شعور إسرائيل بأنَّ الغلق أو الانسحاب يمكن أنْ يهددا أمنها حتى توعز لمجموعات الضغط المرتبطة بها في واشنطن ولإدارة الرئيس ترامب لكي يتوقف عن تهديداته. فالحقيقة الوحيدة التي تعترف بها الإدارة الأميركيَّة هي أنَّ للأمن الإسرائيلي أسبقيَّة في السياسة الأميركيَّة على كل
 ما عداه.