خارج نافذة الوعي

ثقافة 2020/10/13
...

سرور العلي 
الغرفة غارقة في الوحدة، خارج النافذة كانت الشمس غاربة، كانت مضطربة التفكير وتصل من حين لآخر لمركز الجنون، ثم ما تلبث أن تعود تدخل بوابات العقل لاهثة، خائفة من أنيابه، الحزن يلتهمها ويقذف بها ساخراً، ما يجعلها تواصل التفكير غير المنقطع، طابور من الدموع يتظاهر خلف حاجز عينيها البائستين.. يريد الخروج والبوح بكل شيء، صوت المطر في الخارج يخترق الصمت المخيف، وثياب طفلها تناديها من الخزانة الخشبية بجانبها، تهرع إليها، تستنجد بها، تحتضنها وتقبلها ثم تستسلم لدموعها فتدافعت كسجين أطلق سراحه، خيل إليها أن طفلها موجود وها هو يغفو بسريره، تقترب منه وتقبل أنفه الصغير، تلمس شعره الرمادي الذي بدأ ينمو بشكل كثيف في الأسابيع الماضية، تستنشق عطره. 
فجأة يقتحم الوعي ذروة خيالها ويسحبها نحو ذلك الشارع، للدماء المنثورة من جسد طفلها والحشد الثائر حوله، الكل يصرخ ويستنجد لنقله إلى أقرب مستشفى، يحمله أحدهم ويذهب به، وبعد محاولات مضنية يعود يداعب خيوط الحياة الرفيعة وهي تروضه بشكل مخيف، تقف خارج
 الردهة.. 
تنتظر أن يستيقظ عاجلاً لقد اشترت له الدراجة الهوائية الذي وعدته بها منذ أشهر، وطال انتظاره وهناك خلف الزجاج الفاصل بين الحياة والموت انهارت، وهي تتذكر توسلاته وتبريرها الوحيد أن تأتي العطلة الصيفية، لا تريده أن يعرف كم كانت تقاسي لتأمين لقمة العيش بعد انفصالها عن والده.
تفتش عن صوره، تحدق بهم كأنه ولد للتو، تواصل البكاء بمرارة، هنا صورة لعيد ميلاده الأول، وهذه صور رحلته المدرسية خارج البلدة، كانت يومها قلقة ولأول مرة يفترق عنها لعدة ساعات، وكم شعرت يومها بالوحدة حتى اضطرت للجلوس على ناصية البيت تترقب عودته
 بلهفة. 
وحين لمحت الباص المدرسي ينعطف نحو شارعهم، ركضت نحوه واستقبلته فرحة وهو على طول الشارع يحكي ويقفز بمتعة، كان سعيدا جداً يومها ويقبلها من حين لآخر.. حين سمعت بخبر الحادث أسرعت كمجنونة، خيل اليها أنه كابوس مرعب وسينتهي، ولكن استمر الكابوس وهو يضيق عليها الخناق يوما بعد
 يوم.