الأزمة الحقيقيَّة لم تظهر بعد

اقتصادية 2020/10/15
...

د. باسم الابراهيمي
أيام ثقال مرت على العاملين في القطاع العام بعد أن تأخرت رواتبهم لشهر ايلول الماضي، وفي الوقت الذي اعلنت فيه وزارة المالية أنها لن تستطيع تأمين رواتب الموظفين من دون استكمال العوائد النفطية بدعم من الاقتراض المحلي، فإن البرلمان وقف امام هذا الطلب معللا رفضه بأن المالية لم تكن قادرة على انجاز الاصلاح الذي وعدت به، وان الاستمرار باعتماد الاقتراض الداخلي سيؤدي الى انهيار المالية العامة المثقلة بالمديونية 
أصلا.
وفي الحقيقة فإن الاسئلة للجانبين عديدة، الى وزارة المالية نقول نحن نعلم أن الأزمة خانقة والحلول في الاجل القصير صعبة ولكن ما هي رؤيتكم الاصلاحية على الامد المتوسط والبعيد؟ ولماذا تأخرت "الورقة البيضاء" الى هذا الحد؟.
فهل ستأتي بحلول لم يأتِ بها الاوائل؟، اما بخصوص البرلمان فنقول كيف كنتم تمررون الموازنات السابقة وانتم تعلمون أنها تثقل كاهل الدولة من دون ان تتضمن اية مشاريع اصلاحية؟، واذا ما أقلتم الوزير الحالي فهل يستطيع من يأتي بعده ان يحل مشكلة الرواتب حتى نهاية العام من دون اقتراض؟ وماذا سيكون ردكم اذا طلب خلفه الاقتراض 
أيضا؟.
للجانبين أقول أنتم في مركب واحد وهذا يتطلب الجلوس والمكاشفة لوضع خارطة طريق تستشرف الازمة الحالية وآثارها المحتملة للعام المقبل على اقل تقدير من خلال وضع سيناريوهات مختلفة تتعاطى مع جميع الاحتمالات، فالازمة المالية في العراق مرهونة بشكل رئيس بأسعار النفط وهي باقية عند هذا المستوى خلال الأمد المنظور ولعدد من الاسباب المتعلقة بجانب الطلب العالمي والتوقعات الخاصة باستمرار الانكماش، الى جانب ذلك فإن تحديات مهمة تتعلق بارتفاع مستوى البطالة والفقر وتراجع معدلات النمو الاقتصادي تستدعي استبعاد الرؤية قصيرة الاجل التي اعتمدتها كل الحكومات المتعاقبة لتحقيق المكاسب السياسية السريعة واعتماد رؤية بعيدة الاجل ذات مكاسب 
اقتصادية.
إن الأزمة الحالية هي رأس جبل الجليد الذي يخفي تحت الماء تسعة أعشاره، فالأزمة الحقيقية لما تزل لم تظهر بعد إلا أنها أقرب مما كنا نتصور جميعا، وعليه يجب الإفاقة من على وسادة النفط والذهاب باتجاه تحقيق التنويع الاقتصادي واعتماد ستراتيجية للاصلاح الشامل، وإلا فإن التأخر في ذلك سيرتب علينا تكاليف أكبر يمكن تفاديها الآن.