تكمن إشكالية كتاب (آلام الهوية) للباحثة الاكاديمية هبة مجيد سبوت، في معرفة العلاقة التي تحكم الاقليات والجماعات في العراق برؤيتها للهوية الوطنية العراقية، حيث تمثل الهوية النقطة الجوهرية في بناء المجتمع السياسي والمدني، لكونها منظومة مركبة معقدة ليس بالسهولة أن يتم تجاهل معطيات التشابك بين الجماعات البشرية والثقافات، التي تعني الانتظام العام غير المشروط في الحفاظ على كل مكونات ومكتسبات والمصالح والقيم والعادات والتقاليد والنظم المجتمعية، حيث يعد المجتمع العراقي كما تقول الباحثة من المجتمعات، التي تتسم بتعدد الهويات الدينية والقومية والثقافية ومن تركيبة سكانية متعددة الأعراق والأديان والطوائف، هذه التعددية عرفها كل العراقيين من خلال وجود العديد من المكونات التي وإن سميت بالصغيرة من الناحية العددية، إلاّ أنها ليست صغيرة في قيمتها وأهميتها وقوتها ودورها الإنساني وتاريخها وثقافتها، ظاهرة التعدد القومي والديني والثقافي ووجود أقليات متعددة متميزة بانتمائها فسحا المجال لوجود مجتمعات تختلف في ما بينها من حيث العادات والتقاليد الاجتماعية، وكذلك الرؤى الفكرية والسياسية.
حيث عانت المجموعات الصغيرة( الأقليات) من التهميش والاستبعاد من تهجير الاقلية الفيلية والمسيحيين الى إبادة الايزيدية.
الهوية كـعلامة ثقافية
الاشكالية التي يبحث في مضامينها الكتاب تتمثل في الاجابة على سؤال رئيس: ما المؤشرات التي تحكم الهوية الوطنية للاقليات، وما الآليات التي يقوم عليها ذلك التصور؟ في الفصل الاول من العمل تحدد الباحثة المعالم الرئيسة للدراسة من حيث الاهداف والاهمية والتساؤلات الأساسية، فضلا عن المفاهيم (الهوية، الهوية الوطنية، الاقلية، الاقليات العراقية، المواطنة) في الفصل الثاني لاختيار عينة من الدراسات السابقة، فضلا عن النظرية المفسرة وفي الفصل الثالث قياس الهوية الوطنية للاقليات العراقية. أما الفصل الرابع فقد شمل الاطار المنهجي للدراسة والفصل الخامس قد تضمن عرض بيانات الدراسة وتحليلها، وفي الفصل الأخير تم عرض النتائج للتحليل .
تشكل تصورات ورؤية
على الرغم من أن أغلب الأقليات العراقية تعدُّ من الأقليات التاريخية، تعرضوا وبفترات تاريخية الى عمليات نزوح وتشريد وانتهاكات نتيجة لتشريعات قانونية او ممارسات سلطوية او نتيجة لتحيزات اجتماعية من الجماعات الأخرى، وكانت تلك الممارسات لها الأثر في تشكل رؤيتهم وتصوراتهم الثقافية ازاء الهوية الوطنية، وتبين الباحثة أن تقدم المجتمعات يوصف على أساس تعدديتها الثقافية، اي التعدد في اللغات والمستويات ذات البناءات الداخلية المعقدة وتمكين الاقليات لتجاوز الرؤية الاحادية، حيث إن تمثيل تلك الجماعات البشرية الصغيرة في الهوية الجماعية والتي تعد متعددة الثقافات، يضمن
الوحدة الاجتماعية والشعور المشترك بالتضامن والولاء والانتماء الى المجتمع، وإن الاقرار بالتعايش الثقافي بين جميع الافراد يحتاج الى صيغة ثقافية – سياسية تجمع بين ما هو مشترك وما هو خاص ويحتاج الى التصدي لثقافة العزل والاقصاء والتفاعل بين الاقليات والاغلبية، والغاء الحدود والتمايزات ما بين الطوائف والأقليات العرقية والدينية والطائفية، رغم صعوبته على المديين القريب والمتوسط، اذ إن لكل طرف خصوصيته وثقافته، لكن يمكن على المدى البعيد
تجري عملية إضعاف هذه الحدود والتمايزات دون إلغائها، لغرض الاندماج بين
مجتمعات الاقليات والغالبية، وكمشكلة ثقافية يتطلب تجاوز خطاب الكراهية والتراكمات التاريخية السلبية باتجاه الاقليات
وإنصافها.