الصّوت الدافئ أكثر اقناعاً من دماغ أينشتاين!

آراء 2020/10/17
...

  احمد عباس الذهبي
 
 
ظاهرة استفحلت في الآونة الأخيرة، إذ باتت تصاحب الكلّ أثناء أي حوار:  ألا وهي الصوت 
العالي!
وعلى الرغم من أنه دائما مع الصوت العالي ينتهي الحوار بمشكلة أو بعدم الوصول لحلّ .إلا أن الناس للأسف باتت تدمن علوَّ الصوت في حواراتها وكأنه وسيلة للهروب قبل
 المواجهة.وربما يعلم الجميع أن علوَّ الصوت من صفات البهائم أعاذنا وأعاذكم الله، (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) ومع ذلك ترى هذه الظاهرة في المجتمعات العربية خاصة، قد انتشرت انتشارًا كبيرًا حتى ظهرت في برامج الحوارات السياسية وفي المدارس والجامعات، وفي البرلمانات وفي البيوت والطرقات، حتى بات حديث أطفالنا لا يبتعد عن هذا الأمر أيضاً.
وعلاقة الإنسان بالصوت هي إحدى أولى العلاقات التي تربطه بالعالم من حوله. فالأذن هي أول عضو يتكون في الجنين، وتبدأ وظيفتها السمعية بعد 18 أسبوعاً من عمر الجنين، وتكتمل قدرته على تمييز الأصوات في عمر 24 أسبوعاً. حتى عندما نخلد إلى النوم يكون السمع هو آخر الحواس التي تنطفئ أنوارها، وتكون هي أيضاً أول ما نستقبل به العالم عندما نستيقظ، لذا كان لا بد من إعطاء هذه الحاسة حقّها بتهذيب
 أصواتنا.إن وصف حالة الفرد من صوته يقتصر على لغات الشعوب قاطبة، فهناك مجموعة من الأبحاث أظهرت أن نبرة صوت الإنسان وإيماءاته أبلغ تأثيرًا من كلماته، إذ توصلت إلى خلاصة مفادها أن تأثير الرسالة التي يود إيصالها الإنسان يكون من خلال الكلمات بنسبة لا تتجاوز 7 بالمئة، في حين تأخذ نبرة الصوت نسبة 38 بالمئة، و55 بالمئة لإيماءاته 
الجسدية.
وفي بعض الأحيان قد يسبب الصوت سوء فهم،  فقد تنحرف بك نبرة صوتك عن مرادك، فتلقي بك في فخ سوء الظن، كأن تقول بصوت جهوري (من فعل هذا؟) فيفسره البعض تعاليًا أو تهديدًا أو امتعاضًا أو بداية موجة من النقد اللاذع، في حين لم تكن تقصد سوى استفسار 
بريء.في حياتنا اليومية نتعرض لكثير من المؤثرات الصوتية التي قد لا يتحمّلها دماغنا مجتمعة، فيقوم بطريقة ذكية بتنظيم هذه المؤثرات عن طريق أعصاب معينة تتوقف عن العمل عندما يصبح الصوت متكررا أو عندما لا يكون له أهمية، وتعود إلى العمل عندما يتغير هذا الصوت في نغمته أو 
درجته. وقد يصاب بعض الناس بعصبية زائدة واضطرابات عند سماع بعض الأصوات، خاصة الأصوات الصادرة من الفم،  كالمضغ أو النفس أو السعال، أو أصوات أخرى كصوت الكتابة على لوحة المفاتيح وصرير القلم، هذه الأعراض كلها تعد مؤشرات لمتلازمة «الميزوفونيا» المصابة بها أنا شخصيًا 
إن صوتك بصمة تنبئ عن شخصيتك، اجعله قويا ثابتا حين تنطق بالحق والخير، واخفض جناحه من الرحمة حين تخاطب والديك، ولِن بضعف وتواضع لفقير طلب حاجة أو سائل وقف ببابك، ولا تلطّخ كلامك بصوت ساخر، ولا تعرّض بلثغة أو نقص أو خِصلة، وإياك أن ترفع صوتك كي تفوز في جدال، بل ارتقِ بكلماتك، وحسّن مستوى نقاشك، وتذكّر أن الأمطار بعذوبة صوتها هي من تُنبت الزهر وليست قوة صوت الرعد،
 
استاذ علم النفس/ جامعة بغداد